ثم أمر ـ سبحانه ـ رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يلقى سمعه لما يخبره به ـ تعالى ـ من أهوال يوم القيامة فقال : (وَاسْتَمِعْ ....) والمستمع إليه محذوف للتهويل والتعظيم .. أى : واستمع ـ أيها الرسول الكريم ـ أو ـ أيها العاقل ـ لما سأخبرك به من أهوال يوم القيامة.
ثم بين ـ سبحانه ـ ذلك فقال : (يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ).
أى : استمع استماع تنبه وتيقظ يوم يناد المناد وهو إسرافيل ـ عليهالسلام ـ من مكان قريب بحيث يسمع نداءه الناس جميعا ..
قال ابن كثير : قال قتادة : قال كعب الأحبار : يأمر الله ملكا أن ينادى على صخرة بيت المقدس : أيتها العظام البالية ، والأوصال المتقطعة ، إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء (١).
وفي ورود الأمر بالاستماع مطلقا ، ثم توضيحه بما بعده ، تهويل وتعظيم للمخبر به ، لما في الإبهام ، ثم التفسير ، من التهويل والتفخيم لشأن المحدث عنه.
وقوله : (يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِ) بدل من قوله : (يَوْمَ يُنادِ).
أى : يوم يسمعون صيحة البعث من القبور. والحشر للجزاء ، سماعا ملتبسا بالحق الذي لا يحوم حوله باطل ، والمراد بهذه الصيحة : النفخة الثانية (ذلِكَ) اليوم هو (يَوْمُ الْخُرُوجِ) من الأجداث كأنهم جراد منتشر.
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ. قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا ، هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ).
ثم بين ـ سبحانه ـ ما يدل على كمال قدرته فقال : (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ). أى : إنا بقدرتنا وإرادتنا نحيى ونميت من نشاء إحياءه أو إماتته ، وإلينا وحدنا مرجع العباد ومصيرهم ، لا يشاركنا في ذلك مشارك.
اذكر ـ أيضا ـ أيها العاقل (يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ..) أى يوم تتشقق الأرض عمن في باطنها من مخلوقات ، فيخرجون إلينا سراعا. كما قال ـ تعالى ـ : (يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ ، وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً) (٢).
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٣٨٨.
(٢) سورة الإسراء الآية ٥٢.