وقال سعيد بن جبير : الله ـ تعالى ـ قادر على أن يخلق السموات والأرض وما بينهما في لمحة ولحظة ، ولكنه ـ سبحانه ـ خلقهن في ستة أيام ليعلم عباده التثبت في الأمور والتأنى فيها.
والمقصود بالآية الكريمة بيان كمال قدرة الله ـ تعالى ـ. والرد على من أنكر البعث والنشور. وعلى اليهود الذين زعموا أن الله ـ تعالى ـ خلق العالم في ستة أيام ثم استراح في اليوم السابع وهو يوم السبت.
والفاء في قوله : (فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) فصيحة. أى : إذا كان الحال كما بينا لك يا محمد ، فاصبر على ما يقوله هؤلاء الضالون المكذبون من أقوال لا يؤيدها عقل أو نقل.
وقوله : (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ) إرشاد له صلىاللهعليهوسلم إلى ما يعينه على الصبر.
أى : اصبر ـ أيها الرسول الكريم ـ على أقوال هؤلاء الكافرين ، ونزه ربك ـ تعالى ـ عن كل ما لا يليق به ، وتقرب إليه بالعبادات والطاعات (قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ) وهما وقتا الفجر والعصر.
وخصهما ـ سبحانه ـ بالذكر لفضلهما وشرفهما.
(وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ) ـ أيضا ـ ونزهه عن كل ما لا يليق به ، (وَأَدْبارَ السُّجُودِ) أى : وفي أدبار وأعقاب الصلوات فأكثر من تسبيحه ـ عزوجل ـ وتقديسه.
ومن الأحاديث التي وردت في فضل التسبيح بعد الصلوات المكتوبة ، ما ثبت في الصحيحين عن أبى هريرة أنه قال : «جاء فقراء المهاجرين فقالوا : يا رسول الله ، ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم. فقال : «وما ذاك»؟ قالوا : يصلون كما نصلى ، ويصومون كما نصوم ، ويتصدقون ولا نتصدق. فقال صلىاللهعليهوسلم : «أفلا أعلمكم شيئا إذا فعلتموه سبقتم من بعدكم ، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من فعل مثل ما فعلتم؟ تسبحون وتحمدون وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين».
قال : فقالوا : يا رسول الله سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلناه ففعلوا مثله.
فقال صلىاللهعليهوسلم : «ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء» (١).
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ ، وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها ، وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى) (٢).
__________________
(١) صحيح البخاري : «كتاب الأذان» باب «الذكر بعد الصلاة» ج ١ ص ٢١٣.
(٢) سورة طه الآية ١٣٠.