والمعنى : وحق الله الذي لا إله إلا هو ، لئن سألت ـ أيها الرسول الكريم ـ هؤلاء المشركين عمن خلق هذا الكون ، ليقولن بدون تردد : الله ـ تعالى ـ المتصف في نفس الأمر بالعزة والعلم.
فالآية الكريمة تدل دلالة صريحة على أن هؤلاء المشركين يعترفون بأن الله هو الخالق لهذا العالم ، وأن معبوداتهم بعض خلقه ـ تعالى ـ ولكنهم لجهلهم وانطماس بصائرهم أشركوها معه في العبادة ، وقالوا : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى ..).
ويبدو أن هاتين الصفتين : (الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) ليستا من أقوالهم. فهم كانوا يعترفون بأن الله هو الخالق لهذا الكون ، ولكنهم لم يكونوا يعرفون الله بصفاته التي جاء بها القرآن الكريم.
ولذا قال بعض العلماء : الذي يظهر أن هذا الكلام مجزأ ، فبعضه من قولهم وبعضه من قول الله ـ تعالى ـ ، فالذي هو من قولهم (خَلَقَهُنَ) ، وما بعده من قول الله ـ عزوجل ـ ، وأصل الكلام أنهم قالوا : خلقهن الله ، ويدل عليه قوله ـ تعالى ـ في آية أخرى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ).
ثم لما قالوا : خلقهن الله وصف الله ـ تعالى ـ ذاته بهاتين الصفتين (١).
ثم وصف ـ سبحانه ـ ذاته بصفات أخرى فقال : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً ...).
المهد والمهاد : الفراش الممهد المذلل الذي يستقر عليه من جلس فوقه.
أى : الخالق لهذا العالم هو الله العزيز العليم ، الذي جعل لكم الأرض كالفراش الممهد ، حيث بسطها لكم ، وجعلها صالحة لسيركم عليها ، ولإنبات الزروع فيها.
(وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً) أى : وجعل لكم فيها طرقا متعددة ، لكي تسلكوها ، فتصلوا من بلد إلى آخر ، ومن قطر إلى قطر ، كما قال ـ تعالى ـ في آية أخرى (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً ، لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلاً فِجاجاً).
وقوله ـ تعالى ـ : (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) بيان للحكمة من جعل الأرض كذلك ، أى : جعلها ممهدة كثيرة الطرق ، لعلكم تهتدون إلى ما تريدون الوصول إليه من البلاد ، ومن المنافع المتعددة.
ثم وصف ـ سبحانه ـ ذاته بصفة ثانية فقال : (وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ ..).
أى : وهو ـ تعالى ـ الذي أنزل من السماء ماء بمقدار معين على قدر حاجتكم ومصلحتكم ،
__________________
(١) راجع حاشية الكشاف ج ٤ ص ٢٣٨.