فالمقصود من الآية الكريمة ، بيان أن الكلمة الباقية في عقب إبراهيم وهي كلمة التوحيد ، لم يتبعها جميع أفراد ذريته ، بل اتبعها قوم وكفر بها آخرون وأن هؤلاء الكافرين ـ وعلى رأسهم كفار قريش ـ لم يعاجلهم الله ـ تعالى ـ بالعقوبة ، بل أعطاهم نعما متعددة ، فلم يشكروه ـ تعالى ـ عليها ، واستمروا على ذلك ، حتى جاءهم الحق ، فلم يؤمنوا به ، ولا بمن حمله إليهم وهو الرسول المبين صلىاللهعليهوسلم.
ومن الآيات التي تدل على أن ذرية إبراهيم كان منها المؤمن ، وكان منها الكافر. قوله ـ تعالى ـ : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ ، وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ ، فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ موقفهم من الحق الذي جاءهم به الرسول صلىاللهعليهوسلم فقال : (وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ قالُوا هذا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كافِرُونَ).
أى : وحين جاءهم الرسول صلىاللهعليهوسلم بالحق من عند ربهم ، لكي يخرجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان .. قالوا ـ على سبيل الجحود والعناد ـ : هذا الذي جئتنا به نوع من السحر ، وإنا به كافرون مكذبون.
والتعبير بقوله : (جاءَهُمُ) يشعر بأن الحق قد وصل إليهم دون أن يتعبوا أنفسهم في البحث عنه ، ومع ذلك فقد استقبلوه بالجحود والإنكار.
ثم حكى ـ سبحانه ـ لونا آخر من ألوان حسدهم وعنادهم فقال : (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ).
والمراد بالقريتين مكة أو الطائف. ومقصودهما إحداهما ، كالوليد بن المغيرة من مكة ، وكعروة بن مسعود من الطائف ..
ويعنون بالعظم : كثرة المال ، والرئاسة في قومه.
أى : وقال هؤلاء المشركون ـ على سبل العناد والحسد ـ : هلا أنزل هذا القرآن ، الذي يقرؤه علينا محمد صلىاللهعليهوسلم على رجل عظيم في ماله وسلطانه ، ويكون من إحدى هاتين القريتين ، وهما مكة أو الطائف.
فهم لجهلهم وانطماس بصائرهم ، استكثروا أن ينزل هذا القرآن على محمد صلىاللهعليهوسلم الذي وإن كان في القمة من الشرف والسمو بين قومه إلا أنه لم يكن أكثرهم مالا وسلطانا ، وهم يريدون أن تكون النبوة في زعيم من زعمائهم ، أو رئيس من رؤسائهم.
__________________
(١) سورة الحديد. الآية ٢٦.