أى : فهلا لو كان موسى ملكا أو رسولا ، أن يحلى نفسه بأساور من ذهب ، أو جاء إلينا ومعه الملائكة محيطين به ، ومتقارنين معه ، لكي يعينوه ويشهدوا له بالنبوة.
ولا شك أن هذه الأقوال التي تفوه بها فرعون ، تدل على شدة طغيانه ، وعلى عظم غروره ، وعلى استغلاله الضخم لغفلة قومه وسفاهتهم وضعفهم.
ورحم الله الإمام ابن كثير فقد قال ما ملخصه : وهذا الذي قاله فرعون ـ لعنه الله ـ كذب واختلاق ، وإنما حملة على هذا الكفر والعناد ، وهو ينظر إلى موسى ـ عليهالسلام ـ بعين كافرة شقية ، وقد كان موسى من الجلالة والعظمة والبهاء في صورة يبهر أبصار ذوى الألباب.
وقوله : (وَلا يَكادُ يُبِينُ) افتراء ـ أيضا ـ فإنه وإن كان قد أصاب لسانه في حال صغره شيء من جهة تلك الجمرة ، فقد سأل ربه أن يحل عقدة من لسانه ، فاستجاب الله ـ تعالى ـ له وفرعون إنما أراد بهذا الكلام ، أن يروج على رعيته ، لأنهم كانوا جهلة أغبياء .. (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ ، إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) بيان لما كان عليه فرعون من لؤم وخداع ، ولما كان عليه قومه من جبن وخروج على طاعة الله ـ تعالى ـ.
أى : وبعد أن قال فرعون لقومه ما قال من تطاول على موسى ـ عليهالسلام ـ طلب منهم الخفة والسرعة والمبادرة إلى الاستجابة لما قاله لهم ، فأجابوه إلى طلبه منهم ، لأنهم كانوا قوما خارجين على طاعتنا ، مؤثرين الغي على الرشد ، والضلالة على الهداية ..
ثم بين ـ سبحانه ـ سوء عاقبتهم فقال : (فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ. فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ).
وقوله : (آسَفُونا) أى : أغضبونا أشد الغضب ، من أسف فلان أسفا ، إذا اشتد غضبه و (سَلَفاً) أى : قدوة لمن بعدهم من الكفار في استحقاق مثل عقوبتهم. وهو مصدر وصف به على سبيل المبالغة ، ولذا يطلق على القليل والكثير. يقال : سلفه الشيء سلفا ، إذا تقدم ومضى. وفلان سلف له عمل صالح ، أى : تقدم له عمل صالح ومنه : الأسلاف ، أى : المتقدمون على غيرهم.
أى : فلما أغضبنا فرعون وقومه أشد الغضب ، بسبب إصرارهم على الكفر والفسوق والعصيان ، انتقمنا منهم انتقاما شديدا ، حيث أغرقناهم أجمعين في اليم.
__________________
(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٢١٨.