رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ ، لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ ، وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ. فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ) (١).
ثم حكى ـ سبحانه ـ جانبا من طغيان فرعون وفجوره ، واستخفافه بعقول قومه فقال : (وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ ...) أى : أن فرعون جمع زعماء قومه ، وأخبرهم بما يريد أن يقول لهم.
أو أنه أمر مناديا ينادى في قومه جميعا ، ليعلمهم بما يريد إعلامهم به ، وأسند ـ سبحانه ـ النداء إلى فرعون ، لأنه هو الآمر به.
والتعبير بقوله : (فِي قَوْمِهِ) يشعر بأن النداء قد وصل إليهم جميعا ودخل في قلوبهم.
وقوله ـ تعالى ـ : (قالَ يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ ...) حكاية لما قاله فرعون لقومه.
أى : أن فرعون جمع عظماء قومه ، وقال لهم ـ بعد أن خشي إيمانهم بموسى : (يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ) بحيث لا ينازعني في ذلك منازع ، ولا يخالفني في ذلك مخالف ، فالاستفهام للتقرير.
وفضلا عن ذلك فإن هذه الأنهار التي ترونها متفرعة من النيل تجرى تحت قدمي ، أو من تحت قصرى.
(أَفَلا تُبْصِرُونَ) ذلك ، وتستدلون به على قوة أمرى ، وسعة ملكي ، وعظم شأنى فمفعول (تُبْصِرُونَ) محذوف ، أى : أفلا تبصرون عظمتي.
و (أَمْ) في قوله : (أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ) هي المنقطعة المقدرة بمعنى بل التي هي للاضراب ، والإشارة بهذا تعود لموسى ـ عليهالسلام ـ.
أى : بل أنا خير من هذا الذي هو فقير وليس صاحب ملك أو سطوة أو مال .. وفي الوقت نفسه (لا يَكادُ يُبِينُ) أى : لا يكاد يظهر كلامه لعقدة في لسانه.
ثم أضاف إلى ذلك قوله ـ كما حكى القرآن عنه : (فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ).
والأسورة : جمع سوار ، وهو كناية عن تمليكه ، وكانوا إذا ملكوا رجلا عليهم ، جعلوا في يديه سوارين ، وطوقوه بطوق من ذهب ، علامة على أنه ملكهم.
__________________
(١) سورة الأعراف الآيتان ١٣٤ ، ١٣٥.