عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ ، آياتٍ مُفَصَّلاتٍ ، فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ ..) (١).
ثم حكى ـ سبحانه ـ ما قالوه بعد أن نزل بهم العذاب ، فقال : (وَقالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ).
وجمهور المفسرين على أن قولهم هذا ، كان على سبيل التعظيم لموسى ـ عليهالسلام ـ لأنهم كانوا يوقرون السحرة ، ويعتبرونهم العلماء.
قال ابن كثير : قوله (يا أَيُّهَا السَّاحِرُ) أى : العالم ... وكان علماء زمانهم هم السحرة ، ولم يكن السحر عندهم في زمانهم مذموما ، فليس هذا منهم على سبيل الانتقاص ، لأن الحال حال ضرورة منهم إليه ، فهي تقتضي تعظيمهم لموسى ـ عليهالسلام ـ ... (٢).
وما في قوله : (بِما عَهِدَ عِنْدَكَ) مصدرية : أى : بعهده عندك ، والمراد بهذا العهد : النبوة. وسميت عهدا ، لأن الله ـ تعالى ـ عاهد نبيه أن يكرمه بها ، أو لأن لها حقوقا تحفظ كما يحفظ العهد.
وقوله : (إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ) مرتب على كلام محذوف.
أى : وحين أخذنا فرعون وقومه بالعذاب ، قالوا لموسى ـ على سبيل التذلل والتعظيم من شأنه ـ يا أيها الساحر الذي غلبنا بسحره وعلمه ، ادع لنا ربك بحق عهده إليك بالنبوة ، لئن كشف عنا ربك هذا العذاب الذي نزل بنا (إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ) أى إننا لمؤمنون ثابتون على ذلك ، متبعون لك في كل ما تأمرنا به أو تنهانا عنه.
فدعا موسى ـ عليهالسلام ـ ربه أن يكشف عنهم العذاب ، فأجاب الله دعوته بأن كشف عنهم ، فماذا كانت النتيجة؟ كانت النتيجة أنهم نقضوا عهودهم ، واستمروا على كفرهم ، كما قال ـ تعالى ـ : (فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ) أى : فحين كشفنا عنهم العذاب الذي حل بهم (إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ) أى : إذا هم ينقضون عهدهم بالإيمان فلا يؤمنون. يقال : نكث فلان عهده ونقضه ، إذا لم يف به.
ومن سوء أدبهم أنهم قالوا : ادع لنا ربك ، فكأن الله ـ تعالى ـ رب موسى وحده ، وليس ربا لهم.
وشبيه بهاتين الآيتين قوله ـ تعالى ـ : (وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا
__________________
(١) سورة الأعراف الآية ١٣٣.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٢٠٧.