إلى فرعون وملئه بآياتنا الدالة على قدرتنا ، سارعوا إلى الضحك منها ، والسخرية بها ، بدون تأمل أو تدبر ، شأن المغرورين الجهلاء.
فقوله ـ تعالى ـ : (إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ) جواب (فَلَمَّا) والتعبير يشير إلى مسارعتهم إلى السخرية والاستخفاف بالآيات التي جاء بها موسى ـ عليهالسلام ـ ، مع أن هذه الآيات كانت تقتضي منهم التدبر والتفكر لو كانوا يعقلون.
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها ...) بيان لقسوة قلوبهم ، وعدم تأثرها بالآيات والمعجزات.
أى : وما نريهم من آية دالة على صدق نبينا موسى ، إلا وتكون هذه الآية أكبر من أختها السابقة عليها ، في الدلالة على ذلك ، مع كون الآية السابقة عظيمة وكبيرة في ذاتها.
والمقصود بالجملة الكريمة ، بيان أن هؤلاء القوم لم يأتهم موسى ـ عليهالسلام ـ بآية واحدة تشهد بصدقه فيما جاءهم به من عند ربه ، وإنما أتاهم بمعجزات متعددة ، وكل معجزة أدل على صدقه مما قبلها.
ويصح أن يكون المراد وصف الجميع بالكبر ، على معنى أن كل واحدة لكمالها في ذاتها ، إذا نظر إليها الناظر ، ظنها أكبر من البواقي لاستقلالها بإفادة الغرض الذي جاءت من أجله.
وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله : والغرض بهذا الكلام ، أنهن موصوفات بالكبر ، لا يكدن يتفاوتن فيه ، وكذلك العادة في الأشياء التي تتلاقى في الفضل. وتتفاوت منازلها فيه التفاوت اليسير ، أن تختلف آراء الناس في تفضيلها ، فيفضل بعضهم هذا ، وبعضهم ذاك ، فعلى ذلك بنى الناس كلامهم فقالوا : رأيت رجالا بعضهم أفضل من بعض ، وربما اختلفت آراء الرجل الواحد فيها ، فتارة يفضل هذا وتارة يفضل ذاك ، ومنه بيت الحماسة : من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسرى بها السارى (١) وقوله ـ تعالى ـ : (وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) بيان للمصير السيئ الذي آلوا إليه.
أى : وأخذناهم بسبب إصرارهم على الكفر والمعاصي ، بالعذاب الدنيوي الشديد لكي يرجعوا عما هم عليه من كفر وفسوق ، ولكنهم لم يرجعوا.
فالمراد بالعذاب هنا العذاب الدنيوي ، الذي أشار إليه ـ سبحانه ـ بقوله : (فَأَرْسَلْنا
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٢٥٥.