(بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ) أى : بل صالح فيما يدعونا إليه كذاب (أَشِرٌ) أى : بطر متكبر ، معجب بنفسه ، يقال : أشر فلان ، إذا أبطرته النعمة ، وصار مغرورا متكبرا على غيره ، ولا يستعمل نعم الله فيما خلقت له.
وهكذا الجاهلون الجاحدون ، يقلبون الحقائق ، وتصير الحسنات في عقولهم سيئات ، فصالح ـ عليهالسلام ـ الذي جاءهم بما يسعدهم ، أصبح في نظرهم كذابا مغرورا ، لا يليق بهم أن يتبعوه ..
وقد رد ـ سبحانه ـ عليهم ردا يحمل لهم التهديد والوعيد ، فقال ـ تعالى ـ : (سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ).
أى : سيعلم هؤلاء الكافرون ، في الغد القريب يوم ينزل بهم العذاب المبين ، من هو الكذاب في أقواله ، ومن هو المغرور المتكبر على غيره ، أصالح ـ عليهالسلام ـ أم هم؟! والتعبير بالسين في قوله (سَيَعْلَمُونَ) لتقريب مضمون الجملة وتأكيده.
والمراد بقوله : (غَداً) الزمن المستقبل القريب الذي سينزل فيه العذاب عليهم ..
ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك ، ما أمر به نبيه صالحا ـ عليهالسلام ـ فقال : (إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ ، فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ ، وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ).
وقوله : (مُرْسِلُوا النَّاقَةِ) أى : مخرجوها وباعثوها ، لأنهم اقترحوا على نبيهم صالح أن يأتيهم بمعجزة تدل على صدقه ، لكي يتبعوه ، فأخرج الله ـ تعالى ـ لهم تلك الناقة ، من مكان مرتفع قريب منهم.
وإلى هذا المعنى أشار ـ سبحانه ـ في آيات أخرى منها قوله ـ تعالى ـ : (قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ. ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا. فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ. قالَ هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) (١).
وقوله (فِتْنَةً) أى : اختبارا وامتحانا لهم ، فهو مفعول لأجله.
وقوله : (فَارْتَقِبْهُمْ) من الارتقاب بمعنى الانتظار ، ومثله (وَاصْطَبِرْ) فهو من الاصطبار ، وأل في قوله : (وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ ..) للعهد. أى : الماء المعهود لهم ، وهو ماء قريتهم الذي يستعملونه في حوائجهم المتنوعة.
وقوله : (قِسْمَةٌ) بمعنى المقسوم ، وعبر عنه بالمصدر للمبالغة.
__________________
(١) سورة الشعراء الآيات ١٥٣ ـ ١٥٥.