للفعل عاطاه ، وهو مشتق من عطا يعطو ، إذا تناول الشيء.
وهذه الصيغة «تعاطى» تشير إلى تعدد الفاعل ، فكأن هذا النداء بقتل الناقة ، تدافعوه فيما بينهم ، وألقاه بعضهم على بعض ، فكان كل واحد منهم يدفعه إلى غيره ، حتى استقر عند ذلك الشقي الذي ارتضى القيام به وتولى كبره ، حيث عقر الناقة ، فمفعول «عقر» محذوف للعلم به.
قال الآلوسى : قوله : (فَتَعاطى) العقر ، أى : فاجترأ على تعاطيه مع عظمه غير مكترث به.
(فَعَقَرَ) أى : فأحدث العقر بالناقة ، وجوز أن يكون فتعاطى الناقة فعقرها. أو : فتعاطى السيف فقتلها ، وعلى كل فمفعول تعاطى محذوف .. (١).
ولا تعارض بين هذه الآية التي تثبت أن الذي عقر الناقة هو هذا الشقي ، وبين الآيات الأخرى التي تصرح بأنهم هم الذين عقروها ، كما في قوله ـ تعالى ـ (فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ...).
لأن المقصود أن القوم قد اتفقوا على هذا القتل للناقة ، فنادوا واحدا منهم لتنفيذه ، فنفذه وهم له مؤيدون ، فصاروا كأنهم جميعا عقروها ، لرضاهم بفعله ، والعقر. يطلق على القتل والذبح والجرح ، والمراد هنا : قتلها ونحرها.
والتعبير بقوله ـ تعالى ـ بعد ذلك : (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) يشير إلى هول العقوبة التي نزلت بهم ، بسبب ما فعلوه من عقر الناقة ، ومن تكذيبهم لنبيهم.
أى : انظر وتدبر ـ أيها العاقل ـ كيف كان عذابي وإنذارى لهؤلاء القوم؟ لقد كان شيئا هائلا لا تحيط به العبارة.
ثم فصل ـ سبحانه ـ هذا العقاب فقال : (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ).
والهشيم : ما تهشم وتفتت وتكسر من الشجر اليابس ، مأخوذ من الهشم بمعنى الكسر للشيء اليابس ، أو الأجوف.
والمحتظر : هو الذي يعمل الحظيرة التي تكون مسكنا للحيوانات.
أى : إنا أرسلنا عليهم ـ بقدرتنا ومشيئتنا ـ صيحة واحدة صاحها بهم جبريل ـ عليه
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٧ ص ٧٩.