أى : سيهزم جمع هؤلاء الكافرين ويولون أدبارهم نحوكم ـ أيها المؤمنون ـ ويفرون من أمامكم ..
والتعبير بالسين لتأكيد أمر هزيمتهم في المستقبل القريب ، كما في قوله ـ تعالى ـ : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ).
والآية الكريمة من باب الإخبار بالغيب ، الدال على إعجاز القرآن الكريم.
قال الآلوسى : والآية من دلائل النبوة ، لأن الآية مكية ، وقد نزلت حيث لم يفرض جهاد ، ولا كان قتال ، ولذا قال عمر يوم نزلت : أى جمع يهزم ، أى : من جموع الكفار. فلما كان يوم بدر ، رأيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يثب في الدرع وهو يقول (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) فعرفت تأويلها يومئذ .. (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ أن هزيمة المشركين ستعقبها هزيمة أشد منها ، وأنكى فقال : (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ ، وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ).
والمراد بالساعة ، يوم القيامة «وأدهى» : اسم تفضيل من الداهية ، وهي الأمر المنكر الفظيع الذي لا يعرف طريق للخلاص منه.
وقوله (وَأَمَرُّ) أى : وأشد مرارة وقبحا. أى : ليس هذا الذي يحصل لهم في الدنيا من هزائم نهاية عقوباتهم ، بل يوم القيامة هو يوم نهاية وعيدهم السيئ ، ويوم القيامة هو أعظم داهية ، وأشد مرارة مما سيصيبهم من عذاب دنيوى.
ثم فصل ـ سبحانه ـ ما سينزل بهم من عذاب يوم القيامة فقال : (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ). أى : في بعد عن الاهتداء إلى الحق بسبب انطماس بصائرهم ، وإيثارهم الغي على الرشد ، وفي نار مسعرة تغشاهم من فوقهم ومن تحتهم.
ويقال لهم (يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ) أى : يوم يجرّون في النار على وجوههم ، على سبيل الإهانة والإذلال.
(ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ) أى : ويقال لهم : ذوقوا مس جهنم التي كنتم تكذبون بها ، وقاسوا آلامها وعذابها.
فقوله ـ تعالى ـ : (سَقَرَ) علم على جهنم ، مأخوذ من سقرت الشمس الشيء وصقرته ، إذا غيرت معالمه وأذابته ، وهو ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث.
__________________
(١) راجع تفسير الآلوسى ج ٢٧ ص ٩٢.