أى : إن المتقين الذين صانوا أنفسهم عن كل محارم الله ـ تعالى ـ كائنين في جنات عاليات المقدار ، وفي (نَهَرٍ) أى : وفي سعة من العيش ، ومن مظاهر ذلك أن الأنهار الواسعة تجرى من تحت مساكنهم ، فالمراد بالنهر جنسه.
وقوله : (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ) أى : في مكان مرضى ، وفي مجلس كريم ، لا لغو فيه ولا تأثيم وهو الجنة ، فالمراد بالمقعد مكان القعود الذي يقيم فيه الإنسان بأمان واطمئنان.
(عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) أى : مقربين عند ملك عظيم ، قادر على كل شيء.
فالمراد بالعندية هنا ، عندية الرتبة والمكانة والتشريف.
وقال ـ سبحانه ـ عند مليك ، للمبالغة في وصفه ـ سبحانه ـ بسعة الملك وعظمته ، إذ وصفه ـ سبحانه ـ بمليك ، أبلغ من وصفه بمالك أو ملك ، لأن (مَلِيكٍ) صيغة مبالغة بزنة فعيل.
وتنكير «مقتدر» للتعظيم والتهويل ، وهو أبلغ من قادر ، إذ زيادة المبنى تشعر بزيادة المعنى. أى : عظيم القدرة بحيث لا يحيط بها الوصف.
وبعد فهذا تفسير محرر لسورة «القمر» نسأل الله ـ تعالى ـ أن يجعله خالصا لوجهه ، ونافعا لعباده.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..
الدوحة ـ قطر
مساء الأربعاء
٢ من رجب سنة ١٤٠٦ ه
١٢ / ٣ / ١٩٨٦ م
كتبه الراجي عفو ربه
د. محمد سيد طنطاوى