والمعنى : سنقصد يوم القيامة إلى محاسبتكم على أعمالكم ، وسنجازيكم عليها بما تستحقون ، وسيكون هذا شأننا ـ أيها الثقلان ـ في هذا اليوم العظيم.
قال صاحب الكشاف : قوله : (سَنَفْرُغُ لَكُمْ) مستعار من قول الرجل لمن يتهدده ، سأفرغ لك ، يريد سأتجرد للإيقاع بك من كل ما يشغلني عنك ، حتى لا يكون لي شغل سواه ، والمراد : التوفر على النكاية فيه ، والانتقام منه.
ويجوز أن يراد ستنتهى الدنيا وتبلغ آخرها ، وتنتهي عند ذلك شئون الخلق التي أرادها بقوله ـ تعالى ـ : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) ، فلا يبقى إلا شأن واحد ، وهو جزاؤكم ، فجعل ذلك فراغا لهم على طريق المثل ... (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا ...) مقول لقول محذوف ، دل عليه ما قبله.
والمعشر ـ برنة مفعل ـ اسم للجمع الكثير الذي يعد عشرة فعشرة.
وقوله : (تَنْفُذُوا) من النفاذ بمعنى الخروج من الشيء ، والأمر منه وهو قوله : (فَانْفُذُوا) مستعمل في التعجيز. والأقطار : جمع قطر ـ بضم القاف وسكون الطاء ـ وهو الناحية الواسعة ..
والمعنى : سنقصد إلى محاسبتكم ومجازاتكم على أعمالكم يوم القيامة ، وسنقول لكم على سبيل التعجيز والتحدي. يا معشر الجن والإنس ، إن استطعتم أن تنفذوا وتخرجوا من جوانب السموات والأرض ومن نواحيهما المتعددة .. فانفذوا واخرجوا ، وخلصوا أنفسكم من المحاسبة والمجازاة ..
وجملة : (لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ) بيان للتعجيز المتمثل في قوله ـ تعالى ـ ؛ (فَانْفُذُوا) ، والسلطان المراد به هنا : القدرة والقوة.
أى : لا تنفذون من هذا الموقف العصيب الذي أنتم فيه إلا بقدرة عظيمة ، وقوة خارقة ، تزيد على قوة خالقكم الذي جعلكم في هذا الموقف ، وأنى لكم هذه القوة التي أنتم أبعد ما تكونون عنها؟.
فالمقصود بالآية الكريمة ، تحذير الفاسقين والكافرين ، من التمادي في فسقهم وكفرهم ، وبيان أنهم سيكونون في قبضة الله ـ تعالى ـ وتحت سلطانه ، وأنهم لن يستطيعوا الهروب من قبضته وقضائه فيهم بحكمه العادل.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٤٧.