ـ سبحانه ـ ، وعلى فضله ونعمته على من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى.
قال الإمام ابن كثير : ولما كان معاقبة العصاة المجرمين ، وتنعيم المتقين ، من فضله. ورحمته ، وعدله ، ولطفه بخلقه ، وكان إنذاره لهم من عذابه وبأسه ، مما يزجرهم عما هم فيه من الشرك والمعاصي وغير ذلك قال ممتنا بذلك على بريته (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (١).
وكعادة القرآن الكريم في قرن أحوال الأخيار ، بأحوال الأشرار ، أو العكس : جاء الحديث عما أعده ـ سبحانه ـ للمتقين من جزيل الثواب ، بعد الحديث عما سينزل بالمجرمين من عقاب فقال ـ تعالى ـ :
(وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ (٤٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٧) ذَواتا أَفْنانٍ (٤٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٩) فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ (٥٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥١) فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ (٥٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٣) مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ (٥٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٥) فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (٥٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٧) كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ (٥٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٩) هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ (٦٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (٦١)
قال الآلوسى : قوله ـ تعالى ـ : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ ...) شروع في تعديد الآلاء التي تفاض في الآخرة على المتقين ، بعد بيان سوء عاقبة المكذبين.
و (مَقامَ) مصدر ميمى بمعنى القيام مضاف إلى الفاعل. أى : ولمن خاف قيام ربه عليه وكونه مراقبا له ، ومهيمنا عليه فالقيام هنا مثله في قوله ـ تعالى ـ (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِ
__________________
(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٢٨٧.