نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ ...) أو هو اسم مكان. والمراد به مكان وقوف الخلق في يوم القيامة للحساب .. إذ الخلق جميعا قائمون له ـ تعالى ـ كما في قوله ـ سبحانه ـ : (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) (١).
والمعنى : ولكل من خاف القيام بين يدي ربه للحساب ، وخشي هيمنته ـ سبحانه ـ عليه ، ومجازاته له ... لكل من خاف ذلك وقدم في دنياه العمل الصالح ، (جَنَّتانِ) يتنقل بينهما ، ليزداد سروره ، وحبوره.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : لم قال : (جَنَّتانِ)؟ قلت الخطاب للثقلين ، فكأنه قيل لكل خائفين منكما جنتان. جنة للخائف الإنسى ، وجنة للخائف الجنى.
ويجوز أن يقال : جنة لفعل الطاعات ، وجنة لترك المعاصي ، لأن التكليف دائر عليهما ، وأن يقال : جنة يثاب بها وأخرى تضم إليها على وجه التفضل ، كقوله ـ تعالى ـ : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) (٢).
وقوله : (ذَواتا أَفْنانٍ) صفة للجنتين. والأفنان جمع فنن ـ بفتحتين ـ وهو الغصن.
أى : جنتان صاحبتا أغصان عظيمة. تمتاز بالجمال واللين والنضرة.
ثم وصفهما ـ سبحانه ـ بصفات أخرى كريمة فقال : (فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ) أى : في كل جنة منهما عين تجرى بالماء العذب الفرات ...
(فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ) أى : وفيهما كذلك من كل نوع من أنواع الفاكهة صنفان ، ليتفكه المتقون ويتلذذوا بتلك الفواكه الكثيرة ، التي لا هي مقطوعة ، ولا هي ممنوعة.
ثم بين ـ سبحانه ـ حسن مجلسهم فقال : (مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ ، وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ).
والجملة الكريمة حال من قوله ـ تعالى ـ : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ ..).
وعبر ـ سبحانه ـ بالاتكاء لأنه من صفات المتنعمين الذين يعيشون عيشة راضية ، لاهم معها ولا حزن.
والفرش : جمع فراش ـ ككتب وكتاب ـ وهو ما يبسط على الأرض للنوم أو الاضطجاع.
__________________
(١) راجع تفسير الآلوسى ج ٢٧ ص ١١٥.
(٢) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٤٩.