ما بعدها ، وهذه الجملة خبر لقوله (فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ). ووضع فيها الاسم الظاهر موضع الضمير للتفخيم ، بخلاف وضعه في أصحاب المشأمة ، فهو للتشنيع عليهم.
وشبيه بهذا الأسلوب قوله ـ تعالى ـ : (الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ) و (الْقارِعَةُ مَا الْقارِعَةُ) ولا يؤتى بمثل هذا التركيب إلا في مواضع التفخيم ، أو التعجيب ..
والمعنى : فأصحاب الميمنة ، أى شيء هم في أحوالهم وصفاتهم الكريمة ، وأصحاب المشأمة ، أى شيء هم في أحوالهم وصفاتهم القبيحة؟.
وقد ترك هذا الاستفهام التعجيبى على إبهامه ، لتذهب النفس فيه كل مذهب من الثواب أو العقاب ..
وقوله : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ) هؤلاء هم الصنف الثالث ، وهم الذين سبقوا غيرهم إلى كل قول أو فعل فيه طاعة لله ـ تعالى ـ وتقرب إلى جلاله.
والأظهر في إعراب مثل هذا التركيب ، أنه مبتدأ وخبر ، على عادة العرب في تكريرهم اللفظ ، وجعلهم الثاني خبرا عن الأول ، ويعنون بذلك أن اللفظ المخبر عنه ، معروف خبره ، ولا يحتاج إلى تعريفه ، كما في قول الشاعر :
أنا أبو النجم ، وشعري شعري
يعنى : أن شعري هو الذي أتاك خبره ، وانتهى إليك وصفه ..
والمعنى : والسابقون هم الذين اشتهرت أحوالهم. وعرفت منزلتهم ، وبلغت من الرفعة مبلغا لا يفي به إلا الإخبار عنهم بهذا الوصف.
وحذف ـ سبحانه ـ المتعلق في الآية لإفادة العموم ، أى : هم السابقون إلى كل فضل ومكرمة وطاعة ..
وأخرهم ـ سبحانه ـ عن أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ، لتشويق السامع إلى معرفة أحوالهم ، وبيان ما أعد لهم من ثواب عظيم ، فصله بعد ذلك في قوله ـ تعالى ـ : (أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ. فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ...) أى : والسابقون غيرهم إلى كل فضيلة وطاعة ، أولئك هم المقربون عند الله ـ تعالى ـ وأولئك هم الذين مقرهم جنات النعيم.
فالجملة الكريمة مستأنفة استئنافا بيانيا ، لأنها جواب يثيره في النفوس قوله ـ تعالى ـ (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ) و (أُولئِكَ) مبتدأ ، وخبره ما بعده. وما فيه من معنى البعد ، مع قرب العهد بالمشار إليه ، للإشعار يسمو منزلتهم عند الله ـ تعالى ـ ولفظ (الْمُقَرَّبُونَ)