مأخوذ من القربة بمعنى الحظوة ، وهو أبلغ من القريب ، لدلالة صيغته على الاصطفاء والاجتباء ..
أى : أولئك هم المقربون من ربهم ـ عزوجل ـ قربا لا يعرف أحد مقداره.
وقوله ـ سبحانه ـ : (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) بيان لمظهر من مظاهر آثار هذا التقرب.
قال الآلوسى : وقوله : (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) متعلق بقوله (الْمُقَرَّبُونَ) أو بمضمر هو حال من ضميره ، أى كائنين في جنات النعيم.
وعلى الوجهين. فيه إشارة إلى أن قربهم محض لذة وراحة ، لا كقرب خواص الملك القائمين بأشغاله عنده ، بل كقرب جلسائه وندمائه الذين لا شغل لهم ، ولا يرد عليهم أمر أو نهى ، ولذا قيل (جَنَّاتِ النَّعِيمِ) دون جنات الخلود ونحوه .. (١).
ثم قال ـ تعالى ـ : (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ. وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ) والثلة : الجماعة الكثيرة من الناس ، وأصلها : القطعة من الشيء .. وهي خبر لمبتدأ محذوف ، وللمفسرين في المراد بالثلة من الأولين ، وبالقليل من الآخرين ، اتجاهان :
أولهما : يرى أصحابه أن المراد بقوله : (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ) : أولئك السابقون من الأمم الكثيرة السابقة على الأمة الإسلامية ، وهم الذين صدقوا أنبياءهم وعزروهم ونصروهم.
والمراد بقوله : (وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ) المؤمنون من هذه الأمة الإسلامية.
وعلى هذا المعنى سار صاحب الكشاف. فقد قال : الثلاثة ، الأمة الكثيرة من الناس ، قال الشاعر :
وجاءت إليهم ثلة خندقية |
|
بجيش كتيار من السيل مزبد |
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ) كفى به دليلا على الكثرة ـ أى في لفظ (ثُلَّةٌ) ـ وهو من الثل وهو الكسر ـ .. كأنها جماعة كسرت من الناس وقطعت منهم.
والمعنى : أن السابقين من الأولين كثير ، وهم الأمم من لدن آدم ـ عليهالسلام ـ إلى محمد صلىاللهعليهوسلم .. (وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ) ، وهم أمة محمد صلىاللهعليهوسلم (٢).
وأما الاتجاه الثاني فيرى أصحابه ، أن الخطاب في قوله ـ تعالى ـ : (وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً) للأمة الإسلامية خاصة ، وأن المراد بقوله (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ) صدر هذه الأمة الاسلامية.
__________________
(١) راجع تفسير الآلوسى ج ٢٧ ص ١٣٣.
(٢) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٥٣.