وأن المراد بقوله ـ تعالى ـ : (وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ) من أتى بعد صدر هذه الأمة إلى يوم القيامة.
وقد أفاض الإمام ابن كثير في ترجيح هذا القول ، فقال ما ملخصه : وقد اختلفوا في المراد بقوله : (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ) فقيل : المراد بالأولين الأمم الماضية ، وبالآخرين من هذه الأمة .. وهو اختيار ابن جرير.
وهذا الذي اختاره ابن جرير هاهنا فيه نظر ، بل هو قول ضعيف ، لأن هذه الأمة ، هي خير الأمم بنص القرآن ، فيبعد أن يكون المقربون أكثر منها ، اللهم إلا أن يقابل مجموع الأمم بهذه الأمة ...
فالقول الراجح أن يكون المراد بقوله ـ تعالى ـ (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ) أى : من صدر هذه الأمة.
والمراد بقوله : (وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ) أى : من هذه الأمة ..
وروى عن الحسن أنه قال : أما السابقون فقد مضوا ، ولكن اللهم اجعلنا من أصحاب اليمين.
وقد رجح بعض العلماء القول الأول فقال ما ملخصه : وقد اختلف أهل العلم في المراد بهذه الثلة من الأولين ، وهذا القليل من الآخرين المذكورين هنا.
كما اختلفوا في الثلتين المذكورتين في قوله ـ تعالى ـ بعد ذلك : (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ ، وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ).
وظاهر القرآن يفيد في هذا المقام : أن الأولين في الموضعين من الأمم الماضية.
والآخرين فيهما من هذه الأمة.
وأن قوله ـ تعالى ـ : (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ ، وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ) في السابقين خاصة.
وأن قوله ـ تعالى ـ : (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ ، وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ) في أصحاب اليمين خاصة.
وذلك لشمول الآيات لجميع الأمم ، إذ قوله ـ تعالى ـ : (وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً) خطاب لجميع أهل المحشر ، فظهر أن السابقين وأصحاب اليمين. منهم من هو من الأمم السابقة ، ومنهم من هو من هذه الأمة ..
ولا غرابة في أن يكون السابقون من الأمم السابقة أكثر .. لأن الأمم الماضية أمم كثيرة .. وفيهم أنبياء كثيرون.