وأما أصحاب اليمين من هذه الأمة ، فيحتمل أن يكونوا أكثر من أصحاب اليمين من جمع الأمم ، لأن الثلة تتناول العدد الكثير وقد يكون أحد العددين .. الكثيرين ، أكثر من الآخر ، مع أنهما كلاهما كثير.
ولهذا تعلم أن ما دل عليه ظاهر القرآن واختاره ابن جرير. لا ينافي ما جاء من أن نصف أهل الجنة من هذه الأمة .. (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ ما أعده لهؤلاء السابقين بالخيرات من عطاء كريم ، فقال : (عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ).
والسرر : جمع سرير ، وهو ما يستعمله الإنسان لنومه أو الاتكاء عليه في جلسته.
والموضونة : أى المنسوجة بالذهب نسجا محكما ، لراحة الجالس عليها ولتكريمه. يقال : وضن فلان الغزل يضنه ، إذا نسجه نسجا متقنا جميلا.
أى : مستقرين على سرر قد نسجت أطرافها بالذهب وبما يشبهه ، نسجا بديعا يشرح الصدر. فقوله : (عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ) حال من المقربين ..
ومثله قوله : (مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ) أى : مضطجعين عليها اضطجاع الذي امتلأ قلبه بالراحة ، وفراغ البال من كل ما يشغله ، وقد قابل وجه كل واحد منهم وجه الآخر ، ليتم سرورهم ونعيمهم ، إذ تقابل وجوه الأحباب يزيد الأنس والبهجة.
(يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ) أى : يدور عليهم من أجل خدمتهم غلمان ، شبابهم باق لا يتغير ، وهيئتهم الجميلة على حالها لا تتبدل ، فهم دائما على تلك الهيئة المنعوتة بالشباب والمنظر الحسن.
(بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ) أى : يطوفون عليهم ، بأكواب أى : بأقداح لا عرى لها ، وأباريق ، أى : وبأوان ذات عرا (وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ) أى : وبإناء مملوء بالخمر الكثير الجاري فقوله (مَعِينٍ) من المعن بمعنى الكثرة.
(لا يُصَدَّعُونَ عَنْها ..) أى لا يصيبهم صداع أو تعب بسبب شرب هذه الخمر. فعن هنا بمعنى باء السببية.
قوله : (وَلا يُنْزِفُونَ) أى : ولا تذهب الخمر عقولهم ، كما تفعل خمر الدنيا بشاربيها ، مأخوذ من النزف ، بمعنى اختلاط العقل.
__________________
(١) راجع أضواء البيان ج ٧ ص ٧١٩ للشيخ محمد الأمين الشنقيطى.