فقال صلىاللهعليهوسلم : أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز ، إن الله ـ تعالى ـ يقول : (إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً ، فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً. عُرُباً أَتْراباً ...) (١).
واللام في قوله : (لِأَصْحابِ الْيَمِينِ) متعلقة بأنشأناهن ، أو جعلناهن.
أى : أنشأناهن كذلك ، ليكن في صحبة أصحاب اليمين ، على سبيل التكريم لهم ..
وقوله : (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ ، وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ) خبر لمبتدأ محذوف. أى : أصحاب اليمين جماعة كبيرة منهم من الأمم الماضية ، وجماعة كبيرة أخرى من هذه الأمة الإسلامية.
وبذلك نرى أن الله ـ تعالى ـ قد ذكر لنا ألوانا من النعم التي أنعم بها على أصحاب اليمين. كما ذكر قبل ذلك ألوانا أخرى مما أنعم به على السابقين.
قال الآلوسى : ولم يقل ـ سبحانه ـ في حق أصحاب اليمين : (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ).
كما قال ـ سبحانه ـ ذلك في حق السابقين ، رمزا إلى أن الفضل في حقهم متمحض ، كأن عملهم لقصوره عن عمل السابقين ، لم يعتبر اعتباره.
ثم الظاهر أن ما ذكر من أصحاب اليمين ، هو حالهم الذي ينتهون إليه فلا ينافي أن يكون منهم من يعذب لمعاص فعلها ، ومات غير تائب عنها ، ثم يدخل الجنة .. (٢).
وبعد هذا الحديث الذي يشرح الصدور ، ويقر العيون ، وترتاح له الأفئدة. عن السابقين وعن أصحاب اليمين .. جاء الحديث عن أصحاب الشمال ، وهم الذين استحبوا العمى على الهدى وآثروا الغي على الرشد ، فقال ـ تعالى ـ :
(وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ (٤١) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (٤٢) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (٤٣) لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ (٤٤) إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ (٤٥) وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (٤٦) وَكانُوا يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (٤٧) أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ (٤٨) قُلْ إِنَّ
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٢٩١.
(٢) تفسير الآلوسى ج ٢٧ ص ١٤٣.