التي لا يرويها الماء مهما كثر لأنها مصابة بداء ، هذا الداء يمنعها من الشبع منه ، فما تزال تشرب منه حتى تهلك.
فقوله : (الْهِيمِ) صفة لموصوف محذوف ، أى : الإبل الهيم ، جمع أهيم للمذكر. وهيماء للمؤنث.
والهيام ـ بضم الهاء ـ داء يصيب الإبل ، يجعلها تشرب فلا تشبع ، وما تزال تشرب حتى تهلك ، أو تسقم سقما شديدا يؤدى إلى موتها ، والفاء في قوله ـ تعالى ـ : (فَشارِبُونَ عَلَيْهِ) عطف على (لَآكِلُونَ ...) لإفادة أن شربهم مع عطشهم الشديد ، يأتى بعد أكلهم من الزقوم ، بدون مهلة أو استراحة.
وقوله : (فَشارِبُونَ شُرْبَ ...) تأكيد لما قبله ، للتنبيه على أن هذا الشراب ـ مع فظاعته وقبحه ـ لا مفر لهم منه ، ولا انفكاك لهم عنه.
ثم ختم ـ سبحانه ـ هذه الآيات بقوله : (هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ) والنزل : ما يعد للضيف من منزل حسن ، ومأكل حسن لإكرامه.
أى : هذا المذكور من أنواع العذاب المهين .. نزلهم ومسكنهم ومقرهم أول قدومهم يوم الجزاء ...
فالإشارة بقوله : (هذا) إلى ما ذكر قبل ذلك من عذاب مهين ، من مظاهره أكلهم من الزقوم ، وشربهم من الحميم ..
والتعبير عما أعد لهم من عذاب بالنزل ، على سبل التهكم ، كما في قول الشاعر :
وكنا إذا الجبار بالجيش ضافنا |
|
جعلنا القنا والمرهفات له نزلا |
وبذلك نرى الآيات الكريمة ، وقد بينت ما أعد لأصحاب الشمال ، من عذاب مهين ، بأسلوب تقشعر من هوله الأبدان ...
* * *
وبعد هذا الحديث الجامع عن أقسام الناس يوم القيامة ، وعن جزاء كل قسم ... أخذت السورة الكريمة في إقامة الأدلة على وحدانية الله ـ تعالى ـ وعلى كمال قدرته ...
وجاءت هذه الأدلة لا عن طريق أمور تخييلية ، أو فلسفية ، أو غيبية ... وإنما عن طريق أمور يحسونها بأنفسهم ، ويشاهدونها بأعينهم .. عن طريق خلقهم ، وزروعهم التي يزاولونها بأيديهم ، والماء الذي يشربونه ، والنار التي يوقدونها ..
لنستمع إلى السورة الكريمة ، وهي تحكى كل ذلك فتقول :