صغيرا ، ومنكم من يموت كبيرا ، وما نحن بمسبوقين ، أى : وما نحن بمغلوبين على ذلك ، بل نحن قادرون قدرة تامة على تحديد آجالكم ، فمن حضره أجله فلن يستطيع أن يتأخر عنه ساعة ، أو يتقدم عنه ساعة. كما قال ـ تعالى ـ : (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ).
وقوله ـ تعالى ـ : (عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ) متعلق بقوله : (نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ ...).
والمراد بتبديل أمثالهم : إيجاد قوم آخرين من ذرية أولئك الذين ماتوا.
والمعنى : نحن وحدنا الذين قدرنا بينكم الموت وحددناه على حسب مشيئتنا ونحن الذين في قدرتنا أن نبدل من الذين ماتوا منكم أشباها لهم ، نوجدهم بقدرتنا ـ أيضا ـ كما قال ـ سبحانه ـ : (وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ ، كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ) (١).
ويصح أن يكون قوله ـ تعالى ـ : (قَدَّرْنا) بمعنى قضينا وكتبنا ، ويكون قوله : (عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ) متعلق بقوله (بِمَسْبُوقِينَ) ، ويكون المراد بتبديل أمثالهم. إيجاد قوم آخرين سواهم.
والمعنى : نحن الذين وحدنا كتبنا عليكم الموت ، وقضيناه على جميع الخلق فكل نفس ذائقة الموت ، وما نحن بمغلوبين على إهلاككم ، وعلى خلق أمثالكم بدلا منكم كما قال ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ. وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ، إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ، وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ) (٢).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ) بيان للون آخر من ألوان قدرته ـ تعالى ـ.
أى : نحن لسنا بعاجزين ولا بمغلوبين .. على أن نهلككم ونأتى بدلا منكم بغيركم. ولسنا ـ أيضا ـ بعاجزين على أن ننشئكم بعد إهلاككم فيما لا تعلمونه من الصور ، والهيئات ، والصفات.
قال صاحب الكشاف : قوله ـ تعالى ـ : (نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ) أى : قدرناه تقديرا ، وقسمناه عليكم قسمة الرزق على اختلاف وتفاوت كما تقتضيه مشيئتنا فاختلفت أعماركم من قصير وطويل ومتوسط ...
__________________
(١) سورة الأنعام الآية ١٢٣.
(٢) سورة فاطر الآية ١٥ ـ ١٧.