وهكذا نجد هذه الآيات الكريمة ، تقيم أوضح الأدلة وأكثرها تأثيرا في النفوس ، على كمال قدرة الله ـ تعالى ـ وعلى نفاذ مشيئته وإرادته ...
فهي تتحدى البشر جميعا أن يعيدوا الروح إلى أحب الناس إليهم ، وهم واقفون من حوله وقفة الحائر المستسلم. العاجز عن فعل أى شيء من شأنه أن يدفع عن هذا المحتضر ما فيه من كرب ، أو أن يؤخر انتزاع روحه من جسده ، ولو لزمن قليل ..
ثم تمضى السورة الكريمة بعد ذلك ، في بيان مصير هذه الروح ، التي توشك أن تستدبر الحياة الفانية ، وتستقبل الحياة الباقية فتقول : (فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ).
والروح : بمعنى الراحة والأمان والاطمئنان والريحان شجر طيب الرائحة.
أى : فأما إن كان صاحب هذه النفس التي فارقت الدنيا ، من المقربين إلينا السابقين بالخيرات .. فله عندنا راحة لا تقاربها راحة ، وله رحمة واسعة ، وله طيب رائحة عند قبض روحه ، وعند نزوله في قبره ، وعند وقوفه بين أيدينا للحساب يوم الدين ، وله جنات ينعم فيها بما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر.
(وَأَمَّا) إن كان هذا الإنسان (مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ) وهم الذين ثقلت موازين حسناتهم ..
(فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ) أى : فتقول له الملائكة عند قبض روحه وفي قبره ، وفي الجنة ، سلام لك يا صاحب اليمين ، من أمثالك أصحاب اليمين.
قال الآلوسى : وقوله : (فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ) قيل هو على تقدير القول. أى : فيقال لذلك المتوفى منهم : سلام لك يا صحاب اليمين من إخوانك أصحاب اليمين.
وجوز أن يكون المعنى : فسلامة لك عما يشغل القلب من جهتهم فإنهم في خير. أى : كن فارغ البال من جهتهم فإنهم بخير.
وذكر بعض الأجلة أن هذه الجملة ، كلام يفيد عظمة حالهم ، كما يقال : فلان ناهيك به ، وحسبك أنه فلان ، إشارة إلى أنه ممدوح فوق حد التفصيل .. (١).
(وَأَمَّا إِنْ كانَ) هذا المتوفى (مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ) وهم أصحاب الشمال (فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ) أى : فله نزل ـ أى : مكان ـ (مِنْ حَمِيمٍ) أى : من ماء قد بلغ أقصى
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٧ ص ١٦٠.