بسم الله الرّحمن الرّحيم
مقدمة وتمهيد
١ ـ سورة «الحديد» هي السورة السابعة والخمسون في ترتيب المصحف ، وسميت بذلك لقوله ـ تعالى ـ فيها : (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ).
وعدد آياتها تسع وعشرون آية في المصحف الكوفي ، وثمان وعشرون في غيره.
٢ ـ وقد اختلف المفسرون في كونها مدنية أو مكية ، فابن كثير والقرطبي يقولان بأنها مدنية ، ولا يذكران خلافا في ذلك.
بينما نرى صاحب الكشاف يقول إنها مكية ، ولا يذكر ـ أيضا ـ خلافا في ذلك.
ومن المفسرين من يرى بأن سورة الحديد منها ما هو مكي ومنها ما هو مدني.
قال الآلوسى : أخرج جماعة عن ابن عباس أنها نزلت بالمدينة وقال النقاش وغيره : هي مدنية بإجماع المفسرين ، ولم يسلم له ذلك ، فقد قال قوم إنها مكية.
وقال ابن عطية : لا خلاف أن فيها قرآنا مدنيا. لكن يشبه أن يكون صدرها مكيا .. ويشهد لهذا ما أخرجه البزار في مسنده ، والطبراني وابن مردويه .. عن عمر ـ رضى الله عنه ـ أنه دخل على أخته قبل أن يسلم ، فإذا صحيفة فيها أول سورة الحديد ، فقرأه حتى بلغ قوله ـ تعالى ـ : (آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) فأسلم (١).
والذي يبدولنا ـ بعد تدبرنا لهذه السورة الكريمة ـ أنها يغلب عليها طابع القرآن المدني ، الذي يتحدث عن الجهاد في سبيل الله ، وعن الإنفاق من أجل إعلاء كلمته ، وعن سوء مصير المنافقين ، وعن إرشاد المؤمنين إلى كيفية إقامة الدولة القوية العادلة .. وهذا لا يمنع من أن يكون من بين آياتها ما هو مكي ، متى ثبت ذلك عن طريق النقل الصحيح.
٣ ـ وقد افتتحت السورة الكريمة ببيان أن الله ـ تعالى ـ قد نزهه عن كل ما لا يليق به ، جميع ما في السموات وما في الأرض ، وأنه ـ عزوجل ـ هو مالكها ، وهو الأول والآخر ، والظاهر والباطن والمحيي والمميت والخالق لكل شيء ، والعليم بكل شيء.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٧ ص ١٦٤.