والضيف في الأصل مصدر بمعنى الميل ، يقال ضاف فلان فلانا إذا مال كل واحد منهما نحو الآخر ، ويطلق على الواحد والجماعة. والمراد هنا : جماعة الملائكة الذين قدموا على إبراهيم ـ عليهالسلام ـ وعلى رأسهم جبريل ، ووصفهم بأنهم كانوا مكرمين ، لإكرام الله ـ تعالى ـ لهم بطاعته وامتثال أمره. ولإكرام إبراهيم لهم ، حيث قدم لهم أشهى الأطعمة وأجودها.
قال الآلوسى : قيل : كانوا اثنى عشر ملكا وقيل : كانوا ثلاثة : جبريل وإسرافيل وميكائيل. وسموا ضيفا لأنهم كانوا في صورة الضيف ، ولأن إبراهيم ـ عليهالسلام ـ حسبهم كذلك ، فالتسمية على مقتضى الظاهر والحسبان.
وبدأ بقصة إبراهيم وإن كانت متأخرة عن قصة عاد ، لأنها أقوى في غرض التسلية (١).
والظرف في قوله : (إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ ..) متعلق بلفظ (حَدِيثُ) السابق.
أى : هل بلغك حديثهم الواقع في وقت دخولهم عليه .. أو بمحذوف تقديره : اذكر ، أى : اذكر وقت أن دخلوا عليه (فَقالُوا سَلاماً) ، أى : فقالوا نسلم عليك سلاما.
(قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) أى : قال إبراهيم في جوابه عليهم : عليكم سلام ، أنتم قوم منكرون أى : غير معروفين لي قبل ذلك.
قال صاحب الكشاف : أنكرهم للسلام الذي هو علم الإسلام ، أو أراد أنهم ليسوا من معارفه ، أو من جنس الناس الذين عهدهم .. أو رأى لهم حالا وشكلا خلاف حال الناس وشكلهم ، أو كان هذا سؤالا لهم ، كأنه قال : أنتم قوم منكرون فعرفوني من أنتم .. (٢).
وقيل : إن إبراهيم قد قال ذلك في نفسه ، والتقدير : هؤلاء قوم منكرون ، لأنه لم يرهم قبل ذلك.
وقال إبراهيم في جوابه عليهم (سَلامٌ) بالرفع ، لإفادة الدوام والثبات عن طريق الجملة الاسمية ، التي تدل على ذلك ، وللإشارة إلى أدبه معهم ، حيث رد على تحيتهم بأفضل منها.
ثم بين ـ سبحانه ـ ما فعله إبراهيم بعد ذلك فقال : (فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ) أى : فذهب إلى أهله في خفية من ضيوفه. فجاء إليهم بعجل ممتلئ لحما وشحما. يقال : راغ فلان إلى كذا ، إذا مال إليه في استخفاء وسرعة.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٧ ص ١١.
(٢) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٤٠١.