قال القرطبي : القرض : اسم لكل ما يلتمس عليه الجزاء ، وأقرض فلان فلانا ، أى : أعطاه ما يتجازاه واستقرضت من فلان أى : طلبت منه القرض فأقرضنى ، واقترضت منه أى : أخذت منه القرض. وأصل الكلمة : القطع. ومنه المقراض ، وأقرضته ، أى : قطعت له من مالي قطعة يجازى عليها.
ثم قال : والتعبير بالقرض في هذه الآية ، إنما هو تأنيس وتقريب للناس بما يفهمونه ، والله هو الغنى الحميد ، لكنه ـ تعالى ـ شبه عطاء المؤمن في الدنيا بما يرجو به ثوابه في الآخرة بالقرض ، كما شبه إعطاء النفوس والأموال في أخذ الجنة بالبيع والشراء» (١).
والقرض الحسن : هو الإنفاق من المال الحلال ، مع صدق النية ، دون رياء أو سمعة. أو منّ أو أذى مع تحرى أوسط الأموال.
والاستفهام : للحض على البذل والعطاء ، والتحريض على التحلي بمكارم الأخلاق.
و (مَنْ) اسم استفهام مبتدأ ، و (ذَا) اسم إشارة خبره ، و (الَّذِي) وصلته صفة لاسم الإشارة ، أو بدل منه.
والمعنى : من هذا المؤمن القوى الإيمان ، الذي يقدم ماله في الجهاد من أجل إعلاء كلمة الله ، وفي غير ذلك من وجوه الخير كمعاونة المحتاجين ، وسد حاجة البائسين ... (فَيُضاعِفَهُ لَهُ) أى : فيعطيه ـ سبحانه ـ أجره على إنفاقه أضعافا مضاعفة.
(وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ) ، أى : ولهذا المنفق ـ فضلا عن كل ذلك ـ أجر كريم عند خالقه ، لا يعلم مقداره إلا هو ـ تعالى ـ.
فأنت ترى أن هذه الآية الكريمة ، قد اشتملت على ألوان من الحض على الإنفاق في وجوه الخير.
ومن ذلك التعبير بالاستفهام في ذاته ، لأنه للتنبيه وبعث النفوس إلى التدبر والاستجابة.
ومن ذلك ـ أيضا ـ التعبير بقوله : (مَنْ ذَا الَّذِي) .. إذ لا يستفهم بتلك الطريقة إلا إذا كان المقام ذا شأن وخطر ، وكأن المخاطب لعظم شأنه ، من شأنه أن يشار إليه ، وأن يجمع له بين اسم الإشارة وبين الاسم الموصول.
ومن ذلك تسميته ما يبذله الباذل قرضا ، ولمن هذا القرض؟ إنه لله الذي له خزائن السموات والأرض.
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ٣ ص ٢٣٩.