قال القرطبي : أكثر المفسرين على أن المراد بالفتح : فتح مكة. وقال الشعبي والزهري : فتح الحديبية ... وفي الكلام حذف. أى : لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل ، ومن أنفق من بعد الفتح وقائل ، فحذف لدلالة الكلام عليه.
وإنما كانت النفقة قبل الفتح أعظم ، لأن حاجة الناس كانت أكثر لضعف الإسلام ، وفعل ذلك كان على المنفقين حينئذ أشق ، والأجر على قدر النصب (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (مَنْ أَنْفَقَ ..) عام يشمل جميع من بذل ماله قبل الفتح في سبيل الله.
وقيل : المراد به أبو بكر الصديق ـ رضى الله عنه ـ لأنه أول من أسلم ، وأول من أنفق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) مدح للفريقين ، ودفع للتوهم من أن يظن ظان أن الفريق الثاني وهو الذي أنفق من بعد الفتح وقاتل ، محروم من الأجر.
أى : وكلا الفريقين وعده الله ـ تعالى ـ المثوبة الحسنى وهي الجنة ، إلا أن الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا ، أعظم درجة من الذين أنفقوا وقاتلوا بعد ذلك.
فهذه الآية أصل في تفاضل أهل الفضل فيما بينهم ، وأن الفضل ثابت لهم جميعا إلا أنهم تفاوتوا على حسب أعمالهم وجهادهم وسبقهم.
ثم حتم ـ سبحانه ـ الآية الكريمة بقوله : (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) أى : أنه ـ تعالى ـ لا تخفى عليه خافية من أعمالكم الظاهرة أو الباطنة فأخلصوا أقوالكم وأفعالكم لله ـ تعالى ـ لتنالوا أجره وثوابه.
وقد ساق الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية جملة من الأحاديث التي تدل على فضل الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ ومنها ما جاء في الحديث الصحيح أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «لا تسبوا أصحابى ، فو الذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» (٢).
ثم ختم ـ سبحانه ـ هذه الآيات الكريمة ، بتحريض أشد وأقوى على الإنفاق في وجوه الخير ، فقال ـ تعالى ـ : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً ، فَيُضاعِفَهُ لَهُ ، وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ).
__________________
(١) راجع تفسير القرطبي ج ١٧ ص ٢٤٠.
(٢) راجع تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٣٠٦.