ـ تعالى ـ : (وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) على حذف مضاف ، والجملة حال من فاعل (أَلَّا تُنْفِقُوا) ، أو من مفعوله المعلوم مما تقدم.
وإضافة ميراث إلى السموات والأرض ، من إضافة المصدر إلى المفعول أى : وأى سبب يحملكم على البخل وعدم الإنفاق في سبيل إعلاء كلمة الله ، والحال أن لله ـ تعالى ـ ميراث أهل السموات وأهل الأرض.
إنه لا عذر لكم في الشح والإمساك بعد أن بينت لكم ما بينت من وجوب الإنفاق في سبيل الله.
قال الآلوسى : قوله : (وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أى : يرث كل شيء فيهما ، ولا يبقى لأحد مال ، على أن ميراثهما مجاز أو كناية عن ميراث ما فيهما ، لأن أخذ الظرف يلزمه أخذ المظروف. وجوز أن يراد : يرثهما وما فيهما ، واختير الأول ، لأنه يكفى لتوبيخهم ، إذ لا علاقة لأخذ السموات والأرض هنا .. والجملة مؤكدة للتوبيخ ، فإن ترك الإنفاق بغير سبب قبيح منكر ، ومع تحقيق ما يوجب الإنفاق أشد في القبح ، وأدخل في الإنكار (١).
ثم قال ـ تعالى ـ : (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ ، أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا).
والمراد بمن أنفق من قبل الفتح وقاتل : السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ، الذين أنفقوا الكثير من أموالهم ، قيل فتح مكة ... وقيل : المراد بالفتح : صلح الحديبية.
وإنما كان الذين أنفقوا وقاتلوا قبل هذا الوقت ، أعظم درجة ممن فعل ذلك بعد هذا الوقت ، لأن الأيام التي سبقت الفتح تعرض المسلمون خلالها لكثير من المصائب والخوف والجوع ونقص الثمرات .. فكان الإنفاق والجهاد فيها أشق على النفس ، والثواب على قدر المشقة.
أى : لا يستوي منكم ـ أيها المؤمنون ـ في الفضيلة والدرجة من أنفق الكثير من ماله ، من قبل أن تفتح مكة ، وجاهد في سبيل الله ـ تعالى ـ جهادا كبيرا ، أولئك الذين فعلوا ذلك ، أعظم درجة ومنزلة من الذين أنفقوا وقاتلوا بعد أن فتحت مكة.
فالجملة الكريمة بيان لتفاوت الدرجات ، على حسب تفاوت الأحوال والأعمال ، وعطف ـ سبحانه ـ القتال في قوله (وَقاتَلُوا) على الإنفاق في قوله : (أَنْفَقُوا) للإشعار بشدة ارتباطهما ، وأنه لا غنى لأحدهما عن الآخر.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٧ ص ١٧١.