قال : «ومالهم لا يؤمنون وهم عند ربهم؟» قالوا : فالأنبياء قال : «وما لهم لا يؤمنون والوحى ينزل عليهم» قالوا : فنحن ، قال : «فما لكم لا تؤمنون وأنا بين أظهركم؟ ولكن أعجب المؤمنين إيمانا قوم يجيئون بعدكم ، يجدون صحفا يؤمنون بما فيها».
وقوله ـ تعالى ـ : (وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ) كما قال ـ تعالى ـ : (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ ، إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا ..) ويعنى بذلك بيعة الرسول صلىاللهعليهوسلم.
وزعم ابن جرير : أن المراد بذلك : الميثاق الذي أخذ عليهم في صلب آدم (١).
وجواب الشرط في قوله ـ تعالى ـ : (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) محذوف لدلالة ما قبله عليه.
أى : إن كنتم مؤمنين لسبب من الأسباب ، فعلى رأس هذه الأسباب وجود الرسول صلىاللهعليهوسلم بينكم يدعوكم إلى هذا الإيمان ويقنعكم بوجوب الاعتصام به.
ثم ذكر ـ سبحانه ـ جانبا من مظاهر فضله على نبيه صلىاللهعليهوسلم وعليهم فقال : (هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ. وَإِنَّ اللهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ).
والرءوف : مبالغة في الاتصاف بالرأفة ، ومعناها : كراهية إصابة الغير بما يضره أو يؤذيه.
والرحيم : مبالغة في الاتصاف بصفة الرحمة. ومعناه : محبة إيصال الخير والنفع إلى الغير.
أى : هو ـ سبحانه ـ وحده الذي ينزل على عبده ورسوله محمد صلىاللهعليهوسلم (آياتٍ بَيِّناتٍ) أى : حججا واضحات ، ودلائل باهرات ، لكي يخرجكم من ظلمات الكفر والجهل ، إلى نور الإيمان والعلم.
وإن الله ـ تعالى ـ بكم ـ أيها الناس ـ لكثير الرأفة والرحمة ، حيث أنزل إليكم كتابه ، وأرسل إليكم رسوله صلىاللهعليهوسلم.
وكما حضهم ـ سبحانه ـ على الثبات على الإيمان .. حضهم أيضا مرة أخرى على الإنفاق في سبيله بأبلغ أسلوب ، فقال : (وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ، وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).
والاستفهام في قوله تعالى : (وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا ..) للتعجيب من حال من يمسك عن الإنفاق في سبيل الله ، مع أن كل المقتضيات تدعوه إلى هذا الإنفاق. والكلام في قوله
__________________
(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٣٠٥.