والمعنى : واذكر ـ أيها العاقل ـ لتتعظ ولتعتبر ، يوم تبصر المؤمنين والمؤمنات (يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ). والأيمان : جمع يمين. والمراد جهة اليمين.
أى : يتحرك نورهم معهم من أمامهم ، ومن جهة يمينهم ، على سبيل التشريف والتكريم لهم.
قال ابن كثير : يقول ـ تعالى ـ مخبرا عن المؤمنين المتصدقين ، أنهم يوم القيامة ، يسعى نورهم بين أيديهم في عرصات القيامة بحسب أعمالهم ، كما قال عبد الله بن مسعود : يؤتون نورهم على قدر أعمالهم ، ويمرون على الصراط ، منهم من نوره مثل الجبل ، ومنهم من نوره مثل النخلة ، ومنهم من نوره مثل الرجل القائم (١).
وعطف ـ سبحانه ـ (الْمُؤْمِناتِ) على (الْمُؤْمِنِينَ) للتنبيه على أن كلا من الذكر والأنثى. له أجره على عمله الصالح ، بدون إجحاف أو محاباة لجنس على جنس ، كما قال ـ تعالى ـ : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً ، وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٢).
والباء في قوله : (وَبِأَيْمانِهِمْ) بمعنى عن. واقتصر على ذكر الأيمان على سبيل التشريف لتلك الجهة ، والمراد أن نورهم يحيط بهم من جميع جوانبهم.
وقوله : (بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ، ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) مقول لقول محذوف.
وقوله : (بُشْراكُمُ) اسم مصدر من بشر. أى : أخبر بما يسر.
والمعنى : تقول لهم الملائكة على سبيل التكريم والتحية : نبشركم اليوم بجنات عظيمة. تجرى من تحت ثمارها وأشجارها الأنهار العذبة ، حالة كونكم خالدين فيها خلودا أبديا ، وذلك الذي أنتم فيه من نور يسعى بين أيديكم ، ومن جنات أنتم خالدون فيها .. هو الفوز العظيم ، الذي لا يعادله فوز أو فلاح.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ) بدل من قوله ـ تعالى ـ (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ).
أى : واذكر ـ أيها العاقل ـ أيضا ـ يوم يقول المنافقون والمنافقات ، الذين أظهروا الإسلام ، وأبطنوا الكفر ، يقولون للذين آمنوا ، على سبيل التذلل والتحسر.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٣٠٨.
(٢) سورة النحل الآية ٩٧.