(انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ) أى انتظرونا وتريثوا في سيركم لكي نلحق بكم ، فنستنير بنوركم الذي حرمنا منه ، وننتفع بالاقتباس من نوركم الذي أكرمكم الله ـ تعالى ـ به.
قال الآلوسى : (انْظُرُونا) أى : انتظرونا (نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ) نصب منه ، وذلك بأن يلحقوا بهم ، فيستنيروا به .. وأصل الاقتباس طلب القبس ، أى الجذوة من النار.
وقولهم للمؤمنين ذلك ، لأنهم في ظلمة لا يدرون كيف يمشون فيها. وروى أن ذلك يكون على الصراط (١).
وقوله ـ سبحانه ـ (قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً) حكاية لما يرد به عليهم المؤمنون ، أو الملائكة.
أى : قال المؤمنون في ردهم على هؤلاء المنافقين : ارجعوا وراءكم حيث الموقف الذي كنا واقفين فيه فالتمسوا منه النور ، أو ارجعوا إلى الدنيا فالتمسوا نورا ، عن طريق تحصيل سببه وهو الإيمان ، أو ارجعوا خائبين فلا نور لكم عندنا.
وهذا القول من المؤمنين لهم ، على سبيل التهكم بهم ، إذ لا نور وراء المنافقين.
وقوله : (وَراءَكُمْ) تأكيد لمعنى (ارْجِعُوا) إذ الرجوع يستلزم الوراء.
ثم بين ـ سبحانه ـ ما حدث للمنافقين بعد ذلك فقال : (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ ، وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ).
أى : فضرب بين المؤمنين وبين المنافقين يحاجز عظيم ، هذا الحاجز العظيم ، والسور الكبير (لَهُ بابٌ) باطن هذا الباب مما يلي المؤمنين (فِيهِ الرَّحْمَةُ) أى : فيه الجنة ، وظاهر هذا الباب مما يلي المنافقين (مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ).
أى : يأتى من جهته العذاب. قالوا : وهذا السور ، هو الحجاب المذكور في سورة الأعراف في قوله ـ تعالى ـ : (وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ).
والمقصود بهذه الآية الكريمة ، بيان أن المؤمنين في مكان آمن تحيط به الجنة ، أما المنافقون ففي مكان مظلم يؤدى بهم إلى النار وبئس القرار.
ثم حكى ـ سبحانه ـ أن المنافقين لم يكتفوا بهذا الرجاء للمؤمنين ، بل أخذوا ينادونهم في تحسر وتذلل فيقولون لهم ـ كما حكى القرآن عنهم ـ : (يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ).
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٧ ص ١٧٦.