أى : ينادى المنافقون المؤمنين نداء كله حسرة وندامة ، فيقولون لهم : ألم نكن معكم في الدنيا ، نصلى كما تصلون ، وننطق بالشهادتين كما تنطقون؟
(قالُوا بَلى) أى : قال المؤمنون للمنافقين : بل كنتم معنا في الدنيا تنطقون بالشهادتين.
(وَلكِنَّكُمْ) في الدنيا (فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ) أى : أظللتم أنفسكم بالنفاق الذي هو كفر باطن ، وإسلام ظاهر.
(وَتَرَبَّصْتُمْ) والتربص : الانتظار والترقب ، أى : وانتظرتم وقوع المصائب بالمؤمنين.
(وَارْتَبْتُمْ) أى : وشككتم في الحق الذي جاءكم به الرسول صلىاللهعليهوسلم وأعرضتم عنه.
(وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُ) والأمانى : جمع أمنية ، وهي ما يمنون به أنفسهم من الباطل. كزعمهم أنهم مصلحون ، وأنهم على الحق ، وأن المسلمين على الباطل.
(حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللهِ) أى : بقيتم على الفتنة ، والارتياب ، والتربص ، والاغترار بالباطل ، حتى جاءكم أمر الله ، وهو قضاؤه فيكم بالموت.
(وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) أى : وخدعكم في سعة رحمة الله الشيطان. فأطمعكم بأنكم ستنجون من عقابه ـ تعالى ـ مهما فتنتم أنفسكم وتربصتم بالمؤمنين وارتبتم في كون الإسلام حق.
وها أنتم الآن ترون سوء عاقبة نفاقكم ، وإصراركم على كفركم.
(فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ) أيها المنافقون (فِدْيَةٌ) وهي ما يبذل من أجل افتداء النفس من العذاب.
(وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أى : ولا يؤخذ ـ أيضا ـ من الذين كفروا ظاهرا وباطنا فداء.
(مَأْواكُمُ) جميعا (النَّارُ). أى : المكان الذي تستقرون فيه ، هو النار.
(هِيَ مَوْلاكُمْ) أى : هذه النار هي أولى بكم من غيرها. والأصل هي مكانكم الذي يقال فيه أولى بكم.
ويجوز أن يكون المعنى : هذه النار : هي ناصركم ، من باب التهكم بهم ، على حد قول الشاعر : تحية بينهم ضرب وجيع ... أى : لا ناصر لكم إلا النار.
والمراد نفى الناصر لهم على سبيل القطع ، بعد نفى أخذ الفدية منهم. (١)
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٤٧٦.