والخشوع : التذلل والخضوع ، واللام في قوله (لِذِكْرِ اللهِ) للتعليل ، والمراد بذكر الله ـ تعالى ـ : ما يشمل كل قول أو فعل يؤدى إلى الخوف من الله ـ تعالى ـ بحيث يظهر أثر ذلك على الجوارح.
وقيل : المراد به : القرآن الكريم ، فيكون قوله ـ تعالى ـ بعد ذلك (وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِ) من باب عطف الشيء على نفسه ، لاختلاف اللفظين ، كما في قوله ـ تعالى ـ : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى. الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى. وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى).
والمعنى : لقد آن الأوان أن تخشع قلوب المؤمنين لذكر الله ـ تعالى ـ وأن تلين قلوبهم لما أنزله ـ سبحانه ـ على نبيه صلىاللهعليهوسلم من قرآن ، تقشعر منه جلود الذين يخافون ربهم ، وترق له مشاعرهم ونفوسهم.
وبعد هذا التحريض للمؤمنين على المسارعة في طاعة الله ـ تعالى ـ وخشيته والإكثار من ذكره : نهاهم ـ سبحانه ـ عن التشبه بأهل الكتاب ، الذين طال عليهم الأمد في الانغماس في شهوات الدنيا فقست قلوبهم فقال ـ تعالى ـ (وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ ، فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ).
والمراد بالذين أوتوا الكتاب : اليهود والنصارى ، وبالكتاب : التوراة والإنجيل.
والجملة الكريمة معطوفة على قوله ـ تعالى ـ : (تَخْشَعَ) والأمد : الغاية من زمان أو مكان. والمراد به هنا : الزمان الطويل.
أى : لقد آن الأوان أن تخشع قلوب الذين آمنوا لذكر الله وما نزل من الحق ، وآن الأوان ـ أيضا ـ أن لا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبلهم ، حيث طال عليهم الوقت وهم منغمسون في الشهوات والملذات ، فقست قلوبهم ، وصارت لا تتأثر لا بالترغيب ولا بالترهيب ، ولا تفرق بين الحرام والحلال. وأصبح كثير منهم خارجين عن الصراط المستقيم.
فأنت ترى الآية الكريمة قد حضت المؤمنين على الركون إلى ذكر الله ـ تعالى ـ بشدة ومداومة .. ونهتهم عن التشبه بأهل الكتاب في عدم الخشوع وفي قسوة القلوب ، بسبب استيلاء المطامع والشهوات على قلوبهم.
قال صاحب الكشاف ما ملخصه : قوله ـ تعالى ـ : (أَلَمْ يَأْنِ) من أنى الأمر إذا جاء أناه أى : وقته .. والآية نهى للمؤمنين عن مماثلة أهل الكتاب في قسوة القلوب ، وذلك ان بنى إسرائيل ، كان الحق يحول بينهم وبين شهواتهم ، وإذا سمعوا التوراة والإنجيل خشعوا ورقت