قلوبهم ، فلما طال عليهم الزمان ، غلبهم الجفاء والقسوة ، واختلفوا وأحدثوا ما أحدثوا من التحريف وغيره.
فإن قلت : ما معنى لذكر الله وما نزل من الحق؟ قلت : يجوز أن يراد بالذكر وبما نزل من الحق القرآن ، لأنه جامع للأمرين : الذكر والموعظة وأنه حق نازل من السماء.
وأن يراد خشوعها إذا ذكر الله. وإذا تلى القرآن ، كقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ. وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً) (١).
والآية الكريمة تشير إلى أن الإهمال لذكر الله ، والاسترسال في الشهوات كل ذلك يؤدى إلى فسوة القلوب ، وإلى الفسوق عن أمر الله ـ تعالى ـ.
ولذا وجدنا كثيرا من الآيات القرآنية ، والأحاديث النبوية ، تحض على الإكثار من ذكر الله ـ تعالى ـ قال ـ سبحانه ـ : (وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ ، أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً).
وفي الحديث الشريف : يقول صلىاللهعليهوسلم : «لا يقعد قوم يذكرون الله ـ تعالى ـ إلا حفتهم الملائكة ، وغشيتهم الرحمة ، ونزلت عليهم السكينة ، وذكرهم فيمن عنده».
ولقد كان سماع الآية الكريمة ، بتدبر وتفكر وخشوع ، على رأس الأسباب التي أدت إلى توبة بعض العصاة توبة صادقة نصوحا.
فهذا هو الفضل بن عياض يذهب ليلا لارتكاب ما نهى الله عنه ، فيسمع قارئا يقرأ هذه الآية ، فيرتجف ويعود أدراجه وهو يقول : بلى والله قد آن أوان الخشوع لذكر الله .. اللهم إنى تبت إليك ، وجعلت توبتي إليك جوار بيتك الحرام (٢).
ثم وجه ـ سبحانه ـ خطابه إلى المؤمنين فقال : (اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها ، قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ).
وافتتاح الآية بقوله ـ تعالى ـ : (اعْلَمُوا.) يؤذن بأن ما سيلقى على مسامعهم من توجيهات ، جدير بالانتباه إلى مضمونه ، وإلى الامتثال لما اشتمل عليه من أمر أو نهى.
وليس المقصود من الآية إخبار المؤمنين بأن الله ـ تعالى ـ قادر على إحياء الأرض بعد موتها ، فذلك أمر يعتقدونه ، ولا يتم إيمانهم إلا به.
وإنما المقصود من هذه الآية الكريمة ، بيان أن المواظبة على ذكر الله ـ تعالى ـ وعلى تلاوة
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٦٤.
(٢) تفسير القرطبي ج ١٧ ص ٢٥١.