كتابه ، كل ذلك يكون له أثره في خشوع النفوس ، وفي طهارة القلوب ... كأثر المطر عند ما ينزل على الأرض الجدباء المقفرة ... فما تلبث إلا أن تهتز وتربو وتنبت من كل زوج بهيج.
قال الإمام الرازي : قوله ـ تعالى ـ : (اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها). فيه وجهان :
الأول : أنه تمثيل. والمعنى : أن القلوب التي ماتت بسبب القساوة ، المواظبة على الذكر سبب لعودة حياة الخشوع إليها ، كما يحيى الله ـ تعالى ـ الأرض بالغيث.
والثاني : أن المراد من قوله : (يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) ، بعث الأموات فذكر ذلك ترغيبا في الخشوع والخضوع ، وزجرا عن القساوة (١).
والمراد بالآيات في قوله ـ تعالى ـ : (قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) الدلائل الدالة على وحدانيته وقدرته ، وعلمه ـ سبحانه ـ.
أى : قد بينا لكم الدلائل والبراهين الناطقة بقدرتنا وحكمتنا .. لعلكم بهذا البيان تعقلون ما أرشدناكم إليه ، وتعملون بموجب ما عقلتموه ، وبذلك تنالون الفلاح والسعادة ، وتخشع قلوبكم لذكرنا ولآياتنا.
ثم بين ـ سبحانه ـ ما أعده للمؤمنين الذين يبذلون أموالهم في سبيله. والذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه. فقال : (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً ، يُضاعَفُ لَهُمْ ، وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ).
وقراءة : (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ) بتشديد الصاد ـ من التصدق ، فأدغمت التاء في الصاد بعد قلبها صادا لقرب مخرجيهما ... وأصل الكلام : المتصدقين والمتصدقات.
وقرأ ابن كثير وغيره (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ) ـ بتخفيف الصاد ـ على أنه من التصديق لما جاء به الرسول صلىاللهعليهوسلم.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : علام عطف قوله : (وَأَقْرَضُوا)؟
قلت : على معنى الفعل في المصدقين ، لأن «أل» بمعنى الذين ، واسم الفاعل بمعنى : اصّدقوا ، فكأنه قيل : «إن الذين أصدقوا وأقرضوا» (٢).
والمعنى : إن المؤمنين والمؤمنات الذين تصدقوا بأموالهم في وجوه الخير والدين (وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً) بأن أنفقوا أموالهم الحلال في سبيل الله بدون من أو أذى.
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ٢٩ ص ٢٣١. طبعة دار الفكر ـ بيروت.
(٢) راجع تفسير الكشاف ج ٤ ص ٦٥.