الستر والإخفاء ، يقال : كفر الزارع بذره أو زرعه إذا أخفاه في الأرض ، حتى لا يتعرض للتلف أو الضياع.
وقوله ـ سبحانه ـ : (ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً).
والهيجان : الاضطراب والثوران ، ومنه سميت الحرب بالهيجاء ، لأن فيها يضطرب المقاتلون ، ويثور بعضهم على بعض.
ويرى بعضهم أن معنى (يَهِيجُ) هنا : ييبس ويجف.
وعطف ـ سبحانه ـ جملة (يَهِيجُ) بحرف (ثُمَ) لإفادة التراخي الرتبى ، إذ أن وصول النبات إلى درجة من الهيجان وبلوغ منتهاه ، لا يتأتى إلا بعد زمن طويل من بدء زراعته.
ولم يرتض بعض المحققين هذا المعنى فقال : تفسير (يَهِيجُ) بييبس فيه تسامح ، فإن حقيقته أن يتحرك إلى أقصى ما يتأتى له. أى : من الطول والغلظ (١).
أى : ثم يتحرك هذا النبات الذي أعجب الكفار إلى أقصى ما يتأتى له من طول وقوة ، ثم يبدأ في الضعف ، فتراه ـ أيها الناظر إليه ـ نباتا مصفرا متغيرا عما كان عليه من النضرة ، آخذا في الذبول وفي التهيؤ للحصاد ، ثم يكون بعد ذلك حطاما ، أى : نباتا محطما مكسرا.
والمقصود بقوله ـ تعالى ـ (كَمَثَلِ غَيْثٍ ..) إلخ التقرير والتأكيد لما وصفت به الدنيا من كونها لعبا ولهوا وزينة.
وتشبيهها في سرعة زوالها ، وانقضاء نعيمها ، وقلة فائدتها .. بحال نبات ظهر على الأرض بعد هطول المطر عليها ، واستمر في ظهوره وجماله ونضرته وهيجانه ، لفترة مّا من الحياة ، أعجب خلالها الكفار به ، ثم حل بهذا النبات اليانع الاصفرار والاضمحلال حتى صار حطاما مفتتا تذروه الرياح.
والمقصود بهذا التشبيه ، زجر الناس عن الركون إلى الحياة الدنيا ركونا ينسون معه فرائض الله ـ تعالى ـ وتكاليفه التي كلفهم بها ـ سبحانه ـ.
وعطف ـ سبحانه ـ : (فَتَراهُ مُصْفَرًّا) بالفاء للإشعار بقصر المسافة ، مهما طالت في عرف الناس ـ بين نضرة الزرع واستوائه ، وبين اصفراره ونهايته.
قال صاحب الكشاف ـ رحمهالله ـ : أراد ـ سبحانه ـ أن الدنيا ليست إلا محقرات من الأمور ، وهي اللعب واللهو ... وأما الآخرة فما هي إلا أمور عظام.
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ٢٩٢.