قال الآلوسى : «والقيام بالقسط» أى : بالعدل ، يشمل التسوية في أمور التعامل باستعمال الميزان ، وفي أمور المعاد باحتذاء الكتاب ، وهو ـ أى : القسط ـ لفظ جامع مشتمل على جميع ما ينبغي الاتصاف به ، معاشا ومعادا (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) معطوف على ما قبله.
والمراد بإنزال الحديد : خلقه وإيجاده. وتهيئته للناس ، والإنعام به عليهم ، كما في قوله ـ سبحانه ـ (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ) (٢).
والمراد بالبأس الشديد : القوة الشديدة التي تؤدى إلى القتل وإلحاق الضرر بمن توجه إليه ، أى : لقد أرسلنا رسلنا بالأدلة الدالة على صدقهم ، وأنزلنا معهم ما يرشد الناس إلى صلاحهم.
وأوجدنا الحديد ، وأنعمنا به عليكم ، ليكون قوة شديدة لكم في الدفاع عن أنفسكم ، وفي تأديب أعدائكم ، وليكون كذلك مصدر منفعة لكم في مصالحكم وفي شئون حياتكم.
فمن الحديد تكون السيوف وآلات الحرب .. ومنه ـ ومعه غيره ـ تتكون القصور الفارهة ، والمبانى العالية الواسعة ، والمصانع النافعة .. وآلات الزراعة والتجارة.
فالآية الكريمة تلفت أنظار الناس إلى سنة من سنن الله ـ تعالى ـ قد أرسل الرسل وزودهم بالهدايات السماوية التي تهدى الناس إلى ما يسعدهم .. وزودهم ـ أيضا ـ بالقوة المادية التي تحمى الحق الذي جاءوا به وترد كيد الكائدين له في نحورهم ، وترهب كل من يحاول الاعتداء عليه ، كما قال ـ تعالى ـ : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ ، تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ) (٣).
ورحم الله الإمام ابن كثير فقد قال عند تفسيره لهذه الآية : ما ملخصه : أى : وجعلنا الحديد رادعا لمن أبى الحق ، وعانده بعد قيام الحجة عليه ، ولهذا أقام الرسول صلىاللهعليهوسلم بمكة ثلاث عشرة سنة ، تنزل عليه السور المكية ، لبيان أن دين الله حق.
فلما قامت الحجة على من خالفه ، شرع الله القتال بعد الهجرة ، حماية للحق ، وأمرهم بضرب رقاب من عاند الحق وكذبه.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٧ ص ١٨٨.
(٢) سورة الزمر الآية ٦.
(٣) سورة الأنفال الآية ٦٠.