قالوا : والإنجيل كلمة يونانية من النجل وهو الأصل ، يقال : رحم الله ناجليه ، أى : والديه ، وقيل : الإنجيل مأخوذ من نجلت الشيء إذا استخرجته وأظهرته. ويقال للماء الذي يخرج من البئر : نجل. وقيل هو من النجل الذي هو سعة العين ، ومنه قولهم : طعنة نجلاء ، أى : واسعة.
وسمى الإنجيل بهذا الاسم ، لأنه سعة ونور وضياء ، أنزله الله ـ تعالى ـ على نبيه عيسى ، ليكون بشارة وهداية لقومه (١).
وأعاد ـ سبحانه ـ مع عيسى ـ عليهالسلام ـ كلمة (وَقَفَّيْنا) للإشعار بأن المسافة التي كانت بين عيسى ـ عليهالسلام ـ وبين آخر رسول من بنى إسرائيل كانت مسافة طويلة.
ثم بين ـ سبحانه ـ بعض السمات التي كانت واضحة في أتباع عيسى فقال : (وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ).
والرأفة : اللين وخفض الجناح ، والرحمة. العطف والشفقة.
قالوا : وعطف الرحمة على الرأفة من باب عطف العام على الخاص ، لأن الرأفة ، رحمة خاصة ، تتعلق بدفع الأذى والضر. أما الرحمة فهي أشمل وأعم ، لأنها عطف وشفقة على كل من كان في حاجة إليها.
و «الرهبانية» معناها الفعلة المنسوبة إلى الرهبان. وهم النصارى المبالغون في الرهبة والخوف من الله ـ تعالى ـ والزهد في متاع الحياة الدنيا.
قال بعض العلماء : والرهبانية : اسم للحالة التي يكون عليها الراهب متصفا بها في غالب شئون دينه ، والياء فيها ياء النسبة إلى الراهب على غير قياس ، لأن قياس النسب إلى الراهب : الراهبية ، والنون فيها مزيدة للمبالغة في النسبة ، كما زيدت في قولهم : شعرانى ، لكثير الشعر ، ولحياني لعظيم اللحية (٢).
وقوله ـ تعالى ـ : ورهبانية ابتدعوها .. منصوب بفعل مضمر يفسره الظاهر.
أى : وابتدعوا رهبانية ابتدعوها ، فهو من باب الاشتغال.
ويصح أن يكون معطوفا على قوله : (رَأْفَةً وَرَحْمَةً) وقوله : (ابْتَدَعُوها) في موضع
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ٧ ص ١٧١.
(٢) تفسير التحرير والتنوير ج ٢٧ ص ٢٤١ للشيخ محمد الطاهر ابن عاشور. ـ رحمهالله ـ.