الصفة ، والكلام على حذف مضاف ، أى : وجعلنا في قلوبهم رأفة ورحمة ورهبانية مبتدعة لهم.
وجملة : ما كتبناها عليهم ، مستأنفة مبينة لجملة (ابْتَدَعُوها).
والاستثناء في قوله : (إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ) منقطع.
والضمير في قوله : (فَما رَعَوْها) يعود لهؤلاء الذين ابتدعوا الرهبانية.
والمعنى : ثم أتبعنا كل رسول من ذرية نوح وإبراهيم برسول آخر ، حتى انتهينا إلى عيسى ـ عليهالسلام ـ فأرسلناه إلى بنى إسرائيل وآتيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه وآمنوا به (رَأْفَةً) أى لينا وخفض جناح (وَرَحْمَةً) أى : شفقة وعطفا ، وحب رهبانية مبتدعة منهم ، أى : هم الذين ابتدعوها واخترعوها واختاروها لأنفسهم ، زهدا في متاع الحياة الدنيا.
ونحن ما كتبنا عليهم هذه الرهبانية ، وإنما هم الذين ابتدعوها من أجل أن يرضى الله عنهم (فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها) أى : ولكنهم بمرور الأيام ، لم يحافظ كثير منهم على ما تقتضيه هذه الرهبانية من زهد وتقى وعفاف .. بل صارت طقوسا خالية من العبادة الصحيحة ، ولم يصبر على تكاليفها إلا عدد قليل منهم.
ولذا ختم ـ سبحانه ـ الآية الكريمة بقوله : (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ).
أى : أما الذين استمروا على اتباعهم لعيسى ـ عليهالسلام ـ وعلى الإيمان بالحق إيمانا صحيحا خاليا مما يفسده .. فقد أعطيناهم أجورهم الطيبة كاملة غير منقوصة.
وأما الذين بدلوا ما جاء به عيسى ـ عليهالسلام ـ حيث كفروا به وقالوا : الله ثالث ثلاثة ، أو قالوا : المسيح ابن الله فسيلقون ما يستحقونه من عقاب.
وقوله : (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) يدل على أن الذين خرجوا عن الدين الحق الذي جاء به عيسى ـ عليهالسلام ـ وفسقوا عن أمر ربهم .. أكثر من الذين آمنوا به إيمانا صحيحا.
قال الإمام ابن جرير : واختلف أهل التأويل في الذين لم يرعوا الرهبانية حق رعايتها. فقال بعضهم : هم الذين ابتدعوها ، ولم يقوموا بها ، ولكنهم بدلوا وخالفوا دين الله الذي بعث به عيسى ، فتنصروا وتهودوا.
وقال آخرون : بل هم قوم جاءوا من بعد الذين ابتدعوها فلم يرعوها حتى رعايتها ، لأنهم كانوا كفارا .. فهم الذين وصفهم الله بأنهم لم يرعوها حق رعايتها.
وأولى الأقوال في ذلك بالصحة أن يقال : إن الذين وصفهم الله بأنهم لم يرعوا الرهبانية حق