رعايتها ، بعض الطوائف التي ابتدعتها ، وذلك لأن الله ـ تعالى ـ قد أخبر أنه آتى الذين آمنوا منهم أجرهم ، فدل ذلك على أن منهم من قد رعاها حق رعايتها.
وكثير منهم ـ أى : من الذين ابتدعوا الرهبانية ـ أهل معاص ، وخروج عن طاعة الله ـ تعالى ـ وعن الإيمان به (١).
وقال الإمام الآلوسى ما ملخصه : وقوله ـ تعالى ـ (ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ) جملة مستأنفة.
وقوله ـ سبحانه ـ : (إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ) استثناء منقطع ، أى : ما فرضناها نحن عليهم رأسا ، ولكن ابتدعوها وألزموا بها أنفسهم ابتغاء رضوان الله.
وقوله ـ تعالى ـ : (فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها) أى : ما حافظوا عليها حق المحافظة ، ذم لهم من حيث إن ذلك كالنذر ، وهو عهد مع الله ـ تعالى ـ يجب رعايته ، لا سيما إذا قصد به رضاه ـ عزوجل.
وجائز أن يكون الاستثناء متصلا من أعم العلل. أى : ما قضيناها عليهم لشيء من الأشياء ، إلا ليبتغوا بها رضوان الله ، ويستحقوا بها الثواب ، ومن ضرورة ذلك أن يحافظوا عليها .. إلا أنهم لم يحافظوا عليها ، ولم يرعوها حق رعايتها.
والفرق بين الوجهين : أن الأول يقتضى أنهم لم يؤمروا بها أصلا ، وأن الثاني يقتضى أنهم أمروا بها ، لابتغاء رضوان الله ، فما رعوها حق رعايتها.
والظاهر أن الضمير في قوله (فَما رَعَوْها) يعود لأولئك الذين ابتدعوا الرهبانية ، والمراد نفى وقوع الرعاية من جميعهم ، أى : فما رعاها كلهم بل بعضهم (٢).
فالآية الكريمة تثنى على الذين أحسنوا اتباع عيسى ـ عليهالسلام ـ فطهروا أرواحهم من كل دنس ، وزهدوا في متع الحياة الدنيا .. وتذم الذين بدلوا ما جاء به عيسى ـ عليهالسلام ـ وقالوا الأقوال الباطلة في شأنه ، وفعلوا الأفعال القبيحة التي تغضب الله ـ تعالى ـ :
ثم ختم ـ سبحانه ـ السورة الكريمة بهذا النداء للمؤمنين فقال ـ تعالى :
__________________
(١) راجع تفسير ابن جرير ج ٢٧ ص ٢٣٨.
(٢) راجع تفسير الآلوسى ج ٢٧ ص ١٩١.