قد ظاهر في الجاهلية ، مع أن هذا ليس بلازم. إذ لم يثبت أن «أوس بن الصامت» كان قد ظاهر من زوجته في الجاهلية ، وهذا الحكم إنما هو حق المظاهر في الإسلام.
ومنهم من يرى أن المراد بهذه الجملة : تكرار لفظ الظهار ، فمعنى ثم يعودون لما قالوا : ثم يعودون إلى تكرار لفظ الظهار مرة أخرى.
وكان أصحاب هذا القول يرون ، أن الكفارة لا تكون إلا بتكرار ألفاظ الظهار ، وهو قول لا يؤيده دليل ، لأنه لم يثبت أن خولة ـ أو غيرها ـ كرر عليها زوجها لفظ الظهار أكثر من مرة ، بل الثابت أنه عند ما قال لها : أنت على كظهر أمى ، ذهبت إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم وقصت عليه ما جرى بينها وبين زوجها.
وقد رجح الإمام ابن جرير الرأى الأول فقال : والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : معنى اللام في قوله : (لِما قالُوا) بمعنى إلى أو في ، لأن معنى الكلام : ثم يعودون لنقض ما قالوا من التحريم فيحللونه ، وإن قيل : ثم يعودون إلى تحليل ما حرموا ، أو في تحليل ما حرموا فصواب ، لأن كل ذلك عود له ، فتأويل الكلام : ثم يعودون لتحليل ما حرموا على أنفسهم مما أحله الله لهم (١).
والمعنى : والذين يظاهرون منكم ـ أيها المؤمنون ـ من نسائهم ، ثم يندمون على ما فعلوا ، ويريدون أن يعودوا عما قالوه ، وأن يرجعوا إلى معاشرة زوجاتهم.
فعليهم في هذه الحالة إعتاق رقبة (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) أى : من قبل أن يستمتع أحدهما بالآخر ، أى يحرم عليهما الجماع ودواعيه قبل التكفير.
والمراد بالرقبة : المملوك ، من تسمية الكل باسم الجزء.
واسم الإشارة في قوله ـ سبحانه ـ (ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) يعود إلى الحكم بالكفارة.
أى : ذلكم الذي شرعنا لكم ـ أيها المؤمنون ـ وهو الحكم بالكفارة إنما شرعناه من أجل أن تتعظوا به ، وتنزجروا عن النطق بالألفاظ التي تؤدى إلى الظهار ، والله ـ تعالى ـ خبير ومطلع على كل ما تقولونه من أقوال ، وما تفعلونه من أفعال ـ وسيحاسبكم على ذلك حسابا دقيقا.
وما دام الأمر كذلك ، فافعلوا ما أمركم به ، واجتنبوا ما نهاكم عنه.
__________________
(١) تفسير ابن جرير ج ٢٨ ص ٨.