والمعنى : الذين يظاهرون منكم ـ أيها المؤمنون ـ من نسائهم بأن يقولوا لهن : أنتن علينا كظهر أمهاتنا ، مخطئون فيما يقولون ، فإن زوجاتهم لسن بأمهاتهم.
(إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ) أى : ليس أمهاتهم على سبيل الحقيقة والواقع إلا النساء اللائي ولدنهم وأرضعنهم ، وقمن برعايتهم في مراحل الطفولة والصبا والشباب.
ثم أكد ـ سبحانه ـ هذا المعنى بقوله : (وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً).
أى : وإن هؤلاء الرجال الذين يقولون لأزواجهم : أنتن علينا كظهور أمهاتنا في الحرمة ، ليتفوهون بما هو منكر من القول ، في حكم الشرع وفي حكم العقل ، وفي حكم الطبع. وفضلا عن كل ذلك فهو قول كاذب وباطل إذ لم يحرم الله ـ تعالى ـ الزوجة على زوجها ، كما حرم عليه أمه. فعلاقة الأزواج بأمهاتهم ، تختلف اختلافا تاما عن علاقتهم بزوجاتهم.
وإذا فالمقصود بهذه الجملة الكريمة : التوبيخ على هذا القول ، وهو قول الرجل لزوجته : أنت على كظهر أمى ، وذم من ينطق به ، لأنه يعرض مقام الأمهات ـ وهو مقام في أسمى درجات الاحترام والتبجيل ـ إلى تخيلات قبيحة تصاحب النطق بهذا الكلام.
وكعادة القرآن الكريم في قرن الترهيب بالترغيب ، حتى لا تيأس النفوس من رحمة الله ، ختمت الآية الكريمة بما يدل على فضله ـ تعالى ـ.
فقال : (وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) أى : وإن الله ـ تعالى ـ لكثير العفو والمغفرة ، لمن تاب إليه ـ سبحانه ـ وأناب وأقلع عن تلك الأقوال والأفعال التي يبغضها ـ سبحانه ـ.
ثم أخذت السورة الكريمة في تفصيل حكم الظهار ، بعد بيان كونه منكرا من القول وزورا ، فقال ـ تعالى ـ : (وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ، ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا ، فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا).
وقد اختلف العلماء في معنى قوله ـ تعالى ـ : (ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا).
فمنهم من يرى أن المراد منه ، ثم يرجعون عما قالوا ، قاصدين معاشرة زوجاتهم .. أو قاصدين تحليل ما حرموه على أنفسهم بالنسبة لزوجاتهم بسبب الظهار.
ومنهم من يرى أن المراد بهذه الجملة : العودة إلى ما كانوا يقولونه في الجاهلية ، بعد أن هداهم الله ـ تعالى ـ إلى الإسلام ، فيكون المعنى : ثم يعودون إلى ما كانوا يقولونه في الجاهلية من ألفاظ الظهار ، التي يبغضها الله ـ تعالى ـ.
وهذا القول يبدو عليه الضعف من جهة : جعله الفعل المضارع الدال على الحال والاستقبال وهو (يَظْهَرُونَ) ، بمعنى الماضي المنقطع ، ومن جهة جعلهم أن المظاهر بعد الإسلام ، كان