أى : أنه ـ سبحانه ـ يسمع كل المسموعات ، ويبصر كل المبصرات ، على أتم وجه وأكمله ، ومن مقتضيات ذلك ، أن يسمع تحاوركما ، ويبصر ما دار بينكما.
قال القرطبي : «أخرج ابن ماجة أن عائشة ـ رضى الله عنها ـ قالت : تبارك الذي وسع سمعه كل شيء إنى لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ، ويخفى على بعضه ، وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهي تقول : يا رسول الله!! أكل شبابي ، ونثرت له بطني ، حتى إذا كبر سنى .. ظاهر منى!! اللهم إنى أشكو إليك.
وفي البخاري عن عائشة قالت : الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات ، لقد جاءت المجادلة تشكو إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأنا في ناحية البيت ما أسمع ما تقول ، فأنزل الله ـ تعالى ـ : (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها) (١).
ثم شرع ـ سبحانه ـ في بيان شأن الظهار في ذاته ، وفي بيان حكمه المترتب عليه شرعا فقال : (الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ ، إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ).
وقوله : (يَظْهَرُونَ) من الظهار ، وهو لغة مصدر ظاهر ، وهو مفاعلة من الظهر.
قال الآلوسى : والظهار يراد به معان مختلفة راجعة إلى الظهر معنى ولفظا باختلاف الأغراض ، فيقال : ظاهر زيد عمرا ، أى : قابل ظهره بظهره حقيقة ، وكذا إذا غايظه ... وظاهره إذا ناصره باعتبار أنه يقال : قوى ظهره إذا نصره» (٢).
والمراد به هنا : أن يقول الرجل لزوجته : أنت على كظهر أمى ، قاصدا بذلك تحريم زوجته على نفسه كتحريم أمه عليه.
وكان هذا القول من الرجل لامرأته يؤدى إلى طلاقها منه ، بحيث لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، وقيل : إلى طلاقها منه طلاقا مؤبدا لا تحل له بعده.
وقيل : إن هذا القول لم يكن طلاقا من كل وجه ، بل كانت الزوجة تبقى بعده معلقة ، فلا هي مطلقة ، ولا هي غير مطلقة.
و «من» في قوله (مِنْ نِسائِهِمْ) بيانية ، لإفادة أن هذا تشريع عام ، وليس خاصا بخولة بنت ثعلبة ، التي نزلت في شأنها هذه الآيات.
وجملة : (ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ) قائمة مقام الخبر ، ودالة عليه.
__________________
(١) راجع تفسير القرطبي ج ١٧ ص ٢٧٠.
(٢) راجع تفسير الآلوسى ج ٢٨ ص ٤.