أى : يا من آمنتم بالله ـ تعالى ـ حق الإيمان ، (إِذا تَناجَيْتُمْ) بأن أسر بعضكم إلى بعض حديثا (فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ) كما هو شأن المنافقين ومن على شاكلتهم في الكفر والضلال.
(وَتَناجَوْا) فيما بينكم (بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى) والبر ضد الإثم والعدوان ، وهو يعم جميع أفعال الخير التي أمر الله ـ تعالى ـ بها.
والتقوى : الامتثال لأمر الله ـ تعالى ـ وصيانة النفس عن كل مالا يرضاه.
ثم ختم ـ سبحانه ـ الآية الكريمة بقوله : (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) أى : وراقبوا الله ـ تعالى ـ في كل أحوالكم ، فإنه وحده يكون مرجعكم يوم القيامة ، وسيبعثكم ويجمعكم للحساب والجزاء.
والمراد بالنجوى في قوله ـ تعالى ـ بعد ذلك : (إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا ..) : نجوى المنافقين فيما بينهم ، وهي التي عبر عنها ـ سبحانه ـ قبل ذلك بقوله : (وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ).
فأل في قوله ـ تعالى ـ : (النَّجْوى) للعهد ، أى : إنما النجوى المعهودة التي كان يتناجى المنافقون بها فيما بينهم ، كائنة من الشيطان لا من غيره ، لأنه هو الذي حرضهم وأغراهم ، بأن يتساروا بالإثم والعدوان.
وقوله : (لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا) قرأ الجمهور : (لِيَحْزُنَ) ـ بفتح الياء وضم الزاى ـ مضارع حزن ، فيكون (الَّذِينَ آمَنُوا) فاعل ، والحزن : الهم والغم.
أى : زين الشيطان للمنافقين هذه النجوى السيئة ، لكي يحزن المؤمنون ويغتموا ، بسبب ظنهم أن من وراء هذه النجوى أخبارا سيئة تتعلق بهم أو بذوبهم.
وقرأ نافع (لِيَحْزُنَ) ـ بضم الياء وكسر الزاى ـ فيكون (الَّذِينَ آمَنُوا) مفعولا. أى : فعل الشيطان ما فعل مع المنافقين ، لكي يدخل الحزن والغم على المؤمنين.
وأسند ـ سبحانه ـ النجوى إلى الشيطان ، باعتبار أنه هو الذي يوسوس بها ، ويزينها في قلوب هؤلاء المنافقين وأشباههم.
وجملة : (وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) معترضة لتثبيت المؤمنين ، وتسليتهم عما أصابهم من المنافقين.
واسم ليس : الشيطان أو التناجي ، والاستثناء مفرغ من أهم الأحوال ، و «شيئا» منصوب على المفعول المطلق.