(فَنِعْمَ الْماهِدُونَ) نحن ، يقال : مهدت الفراش ، إذا بسطته ووطأته وحسنته.
وفي هاتين الآيتين ما فيهما من الدلالة على قدرة الله ـ تعالى ـ ورحمته بعباده ، حيث أوجد هذه السماء الواسعة التي تعتبر الأرض بما فيها كحلقة في فلاة بالنسبة لها ، فهي تحوى مئات الملايين من النجوم المتناثرة في أرجائها .. وأوجد ـ سبحانه ـ الأرض لتكون موطنا للإنسان ، ومنزلا لراحته.
ثم قال ـ تعالى ـ : (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ) أى : نوعين متقابلين كالذكر والأنثى. والليل والنهار ، والسماء والأرض ، والغنى والفقر ، والهدى والضلال.
(لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) أى فعلنا ذلك لعلكم تعتبرون وتتعظون وتتذكرون ما يجب عليكم نحونا من الشكر والطاعة وإخلاص العبادة لنا وحدنا.
والفاء في قوله : (فَفِرُّوا إِلَى اللهِ ...) للتفريع على قوله ـ تعالى ـ (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) ، أى : ما دام الأمر كما ذكرت لكم من وجود التذكر والاعتبار ، ففروا إلى الله من معصيته إلى طاعته ، ومن كفره إلى شكره ، ومن السيئات إلى الحسنات.
قال الإمام الرازي ما ملخصه : وفي هذا التعبير لطائف ؛ لأنه ينيء عن سرعة الإهلاك ، كأنه يقول : الإهلاك والعذاب أسرع وأقرب ، من أن يحتمل الحال الإبطاء في الرجوع. فافزعوا سريعا إلى الله ـ تعالى ـ وفروا إلى طاعته ، فإنه لا مهرب منه (١).
وقوله : (إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) تعليل للأمر بالفرار ، أى : أسرعوا إلى طاعة الله ـ تعالى ـ إنى لكم من عقابه المعد لمن يصر على معصيته نذير بيّن الإنذار.
ثم أكد ـ سبحانه ـ هذا الإنذار ، ونهى عن التقاعس فقال : (وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) أى : واحذروا أن تجعلوا مع الله ـ تعالى ـ إلها آخر ، في العبادة أو الطاعة (إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ) ـ سبحانه ـ (نَذِيرٌ مُبِينٌ).
فالآية الأولى كان التعليل فيها للأمر بالفرار إلى الله ـ تعالى ـ والثانية كان التعليل فيها للنهى عن الإشراك به ـ سبحانه ـ.
وبذلك ترى أن هذه الآيات الكريمة ، قد بينت جانبا من الدلائل على قدرة الله ـ تعالى ـ وأمرت الناس بإخلاص العبادة لله ، ونهت عن الإشراك به.
ثم ختم ـ سبحانه ـ السورة الكريمة ، ببيان مواقف الأقوام من رسلهم ، وببيان الوظيفة التي أوجد الله ـ تعالى ـ الناس من أجلها فقال :
__________________
(١) راجع تفسير الفخر الرازي ج ٧ ص ٦٥٥.