(فَصَدُّوا) الناس (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أى : عن دينه الحق ، وطريقه المستقيم.
(فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) أى : فترتب على تسترهم خلف الأيمان الفاجرة ، وعلى صدهم غيرهم عن الحق ، أن أعد الله ـ تعالى ـ لهم عذابا يهينهم ويذلهم.
وقوله ـ سبحانه ـ : (لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً ...) رد على ما كانوا يزعمونه من أنهم لن يعذبوا ، لأنهم أكثر أموالا وأولادا من المؤمنين.
قال القرطبي : «قال مقاتل : قال المنافقون إن محمدا يزعم أنه ينصر يوم القيامة لقد شقينا إذا فو الله لننصرن يوم القيامة بأنفسنا وأولادنا وأموالنا إن كانت قيامة ، فنزلت» (١).
ومن المعروف أن عبد الله بن أبى بن سلول ـ زعيم المنافقين ـ ، كان من أغنياء المدينة ، وكان يوطن نفسه على أن يكون رئيسا للمدينة قبيل ـ الإسلام ، وهو القائل ـ كما حكى القرآن عنه ـ : (لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ) ...
أى : أن هؤلاء المنافقين المتفاخرين بأموالهم وأولادهم ، لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم شيئا من الغناء.
(أُولئِكَ) المنافقون هم (أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) خلودا أبديا ، ثم بين ـ سبحانه ـ حالهم يوم القيامة ، وأنهم سيكونون على مثل حالهم في الدنيا من الكذب والفجور .. فقال ـ تعالى ـ (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ ، وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ ، أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ).
أى : اذكر ـ أيها الرسول الكريم ـ يوم يبعث الله ـ تعالى ـ هؤلاء المنافقين جميعا للحساب والجزاء «فيحلفون» لله ـ تعالى ـ في الآخرة بأنهم مسلمون «كما» كانوا «يحلفون لكم» في الدنيا بأنهم مسلمون.
«ويحسبون» في الآخرة ـ لغبائهم وانطماس بصائرهم «أنهم» بسبب تلك الأيمان الفاجرة «على شيء» من جلب المنفعة أو دفع المضرة.
أى يتوهمون في الآخرة أن هذه الأيمان قد تنفعهم في تخفيف شيء من العذاب عنهم.
(أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ) أى الذين بلغوا في الكذب حدا لا غاية وراءه.
فأنت ترى أن الآية الكريمة قد بينت أن هؤلاء المنافقين في الدنيا ، قد بعثوا والنفاق ما زال في قلوبهم ، وسلوكهم القبيح لا يزال متلبسا بهم. فهم لم يكتفوا بكذبهم على المؤمنين في الدنيا ، بل وفي الآخرة ـ أيضا ـ يحلفون لله ـ تعالى ـ بأنهم كانوا مسلمين.
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٧ ص ٣٠٥.