المخبر عنه ، سواء علم المخبر أم لم يعلم .. فالمعنى أنهم الذين يخبرون وخبرهم خلاف ما يخبرون عنه ، وهم عالمون بذلك متعمدون له ، كمن يحلف بالغموس ...» (١).
وقد ذكروا في سبب نزول هذه الآية روايات منها : أنها نزلت في رجل يقال له : عبد الله بن نبتل ـ وكان من المنافقين الذين يجالسون رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثم يرفعون حديثه إلى اليهود ، وفي يوم من الأيام كان صلىاللهعليهوسلم جالسا في إحدى حجراته ، فقال لمن حوله : «يدخل عليكم الآن رجل قلبه جبار ، وينظر بعيني شيطان» فدخل ابن نبتل ، ـ وكان أزرق أسمر قصيرا خفيف اللحية ـ فقال له صلىاللهعليهوسلم : «علام تشتمني أنت وأصحابك»؟.
فحلف بالله ما فعل ذلك ، فقال له النبي صلىاللهعليهوسلم : «فعلت» فانطلق فجاء بأصحابه ، فحلفوا بالله ما سبوه ، فنزلت هذه الآية (٢).
ومن الآيات الكثيرة التي صرحت بأن المنافقين يحلفون الأيمان الكاذبة على سبيل التعمد قوله ـ تعالى ـ : (وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ. يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ. وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) (٣).
ثم بين ـ سبحانه ـ ما أعده لهم من عذاب فقال : (أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً ...) أى : هيأ الله ـ تعالى ـ لهؤلاء المنافقين عذابا قد بلغ النهاية في الشدة والألم.
وجملة (إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) تعليل لنزول العذاب الشديد بهم ، أى : إن هذا العذاب الشديد المهيأ لهم ؛ سببه سوء أعمالهم في الدنيا ، واستحبابهم العمى على الهدى.
وقوله ـ سبحانه ـ (اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ ...) بيان لرذيلة رابعة أو خامسة ، لا تقل في قبحها عما سبقها من رذائل ، وقوله : (أَيْمانَهُمْ) جمع يمين بمعنى الحلف.
وقوله : (جُنَّةً) من الجنّ بمعنى الستر عن الخاصة ، وهذه المادة وما اشتق منها تدور حول الستر والخفاء. وتطلق الجنة على الترس الذي يضعه المقاتل على صدره أو على ذراعيه ليتقى به الضربات من عدوه.
ومفعول (فَصَدُّوا) : محذوف للعلم به.
أى : أن هؤلاء المنافقين قد اتخذوا أيمانهم الكاذبة. وهي حلفهم للمسلمين بأنهم معهم ، وبأنهم لا يضمرون شرا لهم .. اتخذوا من كل ذلك وقاية وسترة عن المؤاخذة ، كما يتخذ المقاتل الترس وقاية له من الأذى ..
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٧٧.
(٢) تفسير القرطبي ج ١٧ ص ٣٠٤.
(٣) سورة التوبة الآية ٤٢.