ديار بنى النضير على بعد ميلين من المدينة ، فذهب إليها المسلمون راجلين ، وحاصروها حتى تم استسلام بنى النضير لهم ..
قال الآلوسى : روى أن بنى النضير لما أجلوا عن أوطانهم ، وتركوا رباعهم وأموالهم. طلب المسلمون تخميسها كغنائم بدر ، فأنزل الله ـ تعالى ـ : (وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ ...) فكانت لرسول الله صلىاللهعليهوسلم خاصة.
فقد أخرج البخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وغيرهم عن عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ قال : كانت أموال بنى النضير ، مما أفاء الله ـ تعالى ـ : على رسوله صلىاللهعليهوسلم مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب ، وكانت لرسول الله صلىاللهعليهوسلم خاصة ، فكان ينفق على أهله منها نفقة سنة ، ثم يجعل ما بقي في السلاح والكراع عدة في سبيل الله ـ تعالى ـ.
وقال الضحاك : كانت أموال بنى النضير لرسول الله صلىاللهعليهوسلم خاصة ، فآثر بها المهاجرين. وقسمها عليهم ، ولم يعط الأنصار منها شيئا ، إلا ثلاثة منهم أعطاهم لفقرهم .. (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَلكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ ...) استدراك على النفي في قوله ـ تعالى ـ : (فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ ...).
أى : ليس لكم الحق ـ أيها المؤمنون ـ في أموال بنى النضير ، لأنكم لم تظفروا بها عن طريق قتال منكم لهم ، ولكن الله ـ تعالى ـ سلط رسوله صلىاللهعليهوسلم عليهم وعلى ما في أيديهم ، كما كان يسلط رسله على من يشاء من أعدائهم ، والله ـ تعالى ـ قدير على كل شيء ...
وما دام الأمر كذلك ، فاتركوا رسولكم صلىاللهعليهوسلم يتصرف في أموال بنى النضير بالطريقة التي يريدها ويختارها بإلهام من الله ـ عزوجل ـ.
وقوله ـ تعالى ـ : (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى ، فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى ...) يرى كثير من العلماء أنه وارد على سبيل الاستئناف الابتدائى ، وأنه سيق لبيان حكم شرعي جديد ، يختلف عن الحكم الذي أوردته الآية السابقة على هذه الآية ..
إذ أن الآية السابقة ، واردة في حكم أموال بنى النضير بصفة خاصة ، وهذه في حكم الفيء بعد ذلك بصفة عامة.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٨ ص ٤٥.