وقوله : (يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ) خبر المبتدأ ، أو حال من الذين تبوأوا الدار ...
أى : هذه هي صفات المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم ... وهذا هو جزاؤهم ...
أما الذين سكنوا دار الهجرة وهي المدينة المنورة ، من قبل المهاجرين ، وأخلصوا إيمانهم وعبادتهم لله ـ تعالى ـ ، فإن من صفاتهم أنهم يحبون إخوانهم الذين هاجروا إليهم حبا شديدا ، لأن الإيمان ربط قلوبهم برباط المودة والمحبة. وقوله : (وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا) صفة أخرى من صفات الأنصار.
ومعنى : (يَجِدُونَ) هنا : يحسون ويعلمون ، والضمير للأنصار ، وفي قوله (أُوتُوا) للمهاجرين. والحاجة في الأصل : اسم مصدر بمعنى الاحتياج ، أى الافتقار إلى الشيء.
والمراد بها هنا : المأرب أو الرغبة الناشئة عن التطلع إلى ما منحه النبي صلىاللهعليهوسلم للمهاجرين دون الأنصار ، من فيء أو غيره.
أى : أن من صفات الأنصار ـ أيضا ـ أنهم لا تتطلع نفوسهم إلى شيء مما أعطى للمهاجرين من الفيء أو غيره ، لأن المحبة التي ربطت قلوب الأنصار بالمهاجرين ، جعلت الأنصار يرتفعون عن التشوف إلى شيء مما أعطاه النبي صلىاللهعليهوسلم المهاجرين وحدهم ...
ثم وصفهم ـ سبحانه ـ بصفة ثالثة كريمة فقال : (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ ...).
والإيثار معناه : أن يؤثر الإنسان غيره على نفسه ، على سبيل الإكرام والنفع ، والخصاصة : شدة الحاجة ، وأصلها من خصاص البيت ، وهو ما يبقى بين عيدانه من الفرج والفتحات.
أى : أن من صفات الأنصار أنهم كانوا يقدمون في النفع إخوانهم المهاجرين على أنفسهم ، ولو كانوا في حاجة ماسة ، وفقر واضح ، إلى ما يقدمونه لإخوانهم المهاجرين.
ولقد ضرب الأنصار ـ رضى الله عنهم ـ أروع الأمثال وأسماها في هذا المضمار ، ومن ذلك ما رواه الشيخان والترمذي والنسائي وغيرهم عن أبى هريرة قال : أتى رجل رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله ، أصابنى الجهد ، فأرسل إلى نسائه فلم يجد شيئا ، فقال صلىاللهعليهوسلم : «ألا رجل يضيف هذا الرجل الليلة رحمهالله»؟ فقال رجل من الأنصار ـ وفي رواية أنه أبو طلحة ـ فقال : أنا يا رسول الله ، فذهب به إلى أهله ، فقال لامرأته : أكرمى ضيف رسول الله صلىاللهعليهوسلم قالت : والله ما عندي إلا قوت الصبية!! قال : إذا أراد الصبية العشاء فنوميهم ، وتعالى فأطفئى السراج ، ونطوى بطوننا الليلة لضيف رسول الله صلىاللهعليهوسلم ففعلت.