ثم غدا الضيف على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لقد عجب الله الليلة من فلان وفلانة» وأنزل الله فيهما : (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ ..) (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) تذييل قصد به حض الناس على التحلي بفضيلة السخاء والكرم.
والشح : يرى بعضهم أنه بمعنى البخل ، ويرى آخرون أن الشح غريزة في النفس تحملها على الإمساك والتقتير ، وأما البخل فهو المنع ذاته ، فكأن البخل أثر من آثار الشح.
قال صاحب الكشاف : «الشح» ـ بالضم والكسر وقد قرئ بهما ـ : اللؤم ، وأن تكون نفس المرء كزة حريصة على المنع كما قال الشاعر :
يمارس نفسا بين جنبيه كزّة |
|
إذا همّ بالمعروف قالت له مهلا |
وقد أضيف إلى النفس لأنه غريزة فيها ، وأما البخل فهو المنع نفسه ، ومنه قوله ـ تعالى ـ : (وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ ...) (٢).
أى : ومن يوق ـ بتوفيق الله وفضله ـ شح نفسه وحرصها على الإمساك ، فيخالفها فيما تأمره به من المنع والتقتير. فأولئك الذين يخالفونها هم المفلحون ، الفائزون برضا الله ـ عزوجل ـ.
ومن الأحاديث التي وردت في النهى عن الشح ، ما أخرجه مسلم ـ في صحيحه ـ عن جابر بن عبد الله ، أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إياكم والظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم ، حملهم على أن سفكوا دماءهم ، واستحلوا محارمهم» (٣).
ثم مدح ـ سبحانه ـ كل من سار على نهج المهاجرين والأنصار في قوة الإيمان ، وفي طهارة القلب ، وسماحة النفس فقال ـ تعالى ـ : (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا ...).
قال الآلوسى : قوله : (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ ...) عطف عند الأكثرين أيضا على المهاجرين ، والمراد بهؤلاء : قيل : الذين هاجروا حين قوى الإسلام ، فالمجىء حسى ، وهو مجيئهم إلى المدينة ، وضمير من بعدهم ، للمهاجرين الأولين.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٨ ص ٥٢. وراجع تفسير القرطبي ج ١٨ ص ٢٤.
(٢) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٨٤.
(٣) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٣٣٩.